للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

له بدونه، وحول هذه الحياة يُدندِن النّاس كلُّهم، وكلُّهم قد أخطأ طريقَها، وسلك طرقًا لا تُفضِي إليها، بل تقطعه عنها، إلّا أقلّ القليل. فدارَ طلبُ الكلِّ حول هذه الحياة، وحُرِمَها أكثرهم.

وسبب حرمانها: ضعف العقل والتّمييز والبصيرة، وضعف الهمّة والإرادة، فإنّ مادّتها بصيرةٌ وقَّادةٌ، وهمّةٌ نَفَّاذة، والبصيرة كالبصر تكون عمياءَ وعوراءَ وعَمْشاء ورَمْدَاءَ، وتامّةَ النُّور والضِّياء، وهذه الآفات قد تكون لها بالخِلقة في الأصل، وقد تحدُثُ فيها بالعوارض الكسبيّة.

والمقصود: أنّ هذه المرتبة من مراتب الحياة هي (١) أعلى مراتبها، ولكن كيف يصل إليها مَن عقلُه مَسْبِيٌّ في بلاد الشّهوات، وأملُه موقوفٌ على اجتناء اللّذّات، وسيرته جاريةٌ على أسوأ العادات، ودينه مستهلكٌ بالمعاصي والمخالفات، وهمّته واقفةٌ مع السُّفْلِيّات، وعقيدته غير متلقّاةٍ من مشكاة النُّبوّات؟!

فهو في الشّهوات منغمسٌ، وفي الشُّبهات منتكسٌ، وعن النّاصح معرضٌ، وعلى المرشد معترضٌ، وعن السُّرَى نائمٌ، وقلبه في كلِّ وادٍ هائمٌ. فلو أنّه تجرّد من نفسه، ورغِبَ عن مشاركة أبناء جنسه، وخرج من ضيق الجهل إلى فضاء العلم، ومن سجْنِ الهوى إلى ساحة الهدى، ومن نجاسة النّفس إلى طهارة القدس= لرأى الإلْفَ الذي نشأ بنشأته، وزاد بزيادته، وقوي بقوّته، وشَرُفَ عند نفسه وأبناء جنسه بحصوله، قذًى (٢) في عين بصيرته، وشَجًا في


(١) «هي» ليست في ش.
(٢) مفعول «لرأى».

<<  <  ج: ص:  >  >>