للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به غيره من أهل الشِّرك والكبائر، فقال تعالى: {كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢٢) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٢٣)} [فصلت: ٢٢ - ٢٣]، فأخبر سبحانه: أنَّ إنكارهم هذه الصِّفة من صفاته من سوء ظنِّهم به، وأنَّه هو الذي أهلكهم. وقد قال في الظانِّين به (١) ظنَّ السَّوء: {عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [الفتح: ٦]. ولم يجئ مثل هذا الوعيد في غير من ظنَّ السَّوء به سبحانه، وجحدُ صفاته وإنكارُ حقائق أسمائه من أعظم ظنِّ السَّوء به.

ولمَّا كان أحبُّ الأشياء إليه حمدَه ومدحَه والثناءَ عليه بأسمائه وصفاته وأفعاله= كان إنكارُها وجحدُها أعظمَ الإلحاد والكفر به. وهو شرٌّ من الشِّرك، فالمعطِّل شرٌّ من المشرك، فإنَّه لا يستوي إنكارُ (٢) صفات المَلِك وحقيقةِ مُلكه والطعنُ في أوصافه هو، والتشريك بينه وبين غيره في الملك، فالمعطِّلون أعداءُ الرُّسل بالذات.

بل كلُّ شركٍ في العالم فأصله التعطيل، فإنَّه لولا تعطيلُ كماله أو بعضِه وظنُّ السَّوء به لما أشرك به، كما قال إمام الحنفاء وأهلِ التوحيد لقومه: {أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (٨٦) فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات: ٨٦ - ٨٧]، أي فما ظنُّكم به أن يجازيكم وقد عبدتم معه غيره؟ وما الذي ظننتم به حتَّى (٣)


(١) ش، د: «بالله».
(٢) ر: «جحد».
(٣) ت: «حين».

<<  <  ج: ص:  >  >>