للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكيف يكون الإنكار من رُعونات النُّفوس، وهو مقصود الشّريعة؟ وهل الجهاد إلّا أعلى أنواع الإنكار، وهو إنكارٌ (١) باليد، وجهاد أهل العلم إنكارٌ باللِّسان.

وأمّا قوله: «إنّ المشاهد يعلم أنّ مرادَ الله من الخلائق ما هُم عليه».

فيقال له: الرّبُّ تعالى له مرادان: كونيٌّ ودينيٌّ، فهَبْ أنّ مراده الكونيّ منهم ما هم عليه، فمراده الدِّينيُّ الأمريُّ الشّرعيُّ هو الإنكار على أصحاب المراد الكونيِّ. فإذا عطَّلتَ مراده الدِّينيّ لم تكن واقفًا مع مراده الذي يحبُّه ويرضاه، ولا ينفعك وقوفك مع مراده الذي قدّره وقضاه، إذ لو نفعَ ذلك لم يكن للشّرائع معنًى البتّة، ولا للحدود والزّواجر، ولا للعقوبات الدُّنيويّة، ولا للأخذ على يد (٢) الظَّلَمة والفُجَّار، وكفِّ عدوانهم وفجورهم. فإنّ العارف عندك شهد أنّ مراد الله منهم هو ذلك، وفي هذا فسادُ الدُّنيا قبل الأديان.

فهذا المذهب الخبيث لا يصلُح عليه دنيا ولا دينٌ، ولكنّه رعونةُ نفسٍ قد أخلدتْ إلى الإلحاد، وكفرتْ بدين ربِّ العباد، واتّخذتْ تعطيلَ الشّرائع مقامًا (٣)، ووساوسَ الشياطين مسامرةً وإلهامًا، وجعلتْ أقدارَ الرّبِّ تعالى مُبطِلةً لما بعثَ به رسلَه، وأنزلَ به كتبه. وجعلوا هذا الإلحاد غاية المعارف الإلهيّة، وأشرفَ المقامات العليّة، ودَعَوا إلى ذلك النُّفوس المبطلة الجاهلة بالله ودينه، فلَبَّوا دعوتَهم مسرِعين، واستخفَّ الدّاعي منهم قومَه


(١) ر: «جهاد».
(٢) ر: «أيدي».
(٣) ر: «دينًا ومقامًا».

<<  <  ج: ص:  >  >>