للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنَّما (١) الشأن في أمرٍ آخر وراءه؛ هذا بابه، والمدخل إليه، والدليل عليه، ومنه يُوصَل إليه، وهو التوحيد الذي دعت إليه الرُّسل، ونزلت به الكتب، وعليه الثواب والعقاب، والشرائع كلُّها تفاصيله وحقوقه، وهو توحيد الإلهيّة والعبادة، وهو الذي لا سعادةَ للنُّفوس إلّا بالقيام به علمًا وعملًا وحالًا (٢)، وهو أن يكون الله وحده أحبَّ إلى العبد من كلِّ ما سواه، وأخوف عنده من كلِّ ما سواه، وأرجى له من كلِّ ما سواه، فيعبده بمعاني الحبِّ والخوف والرجاء بما يحبُّه هو ويرضاه، وهو ما شرعه على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -، لا بما يريده العبد ويهواه، وتلخيص ذلك في كلمتين «إيَّاكَ أُريد بما تُرِيد»، فالأولى: توحيدٌ وإخلاصٌ، والثانية: اتِّباعٌ للسُّنة وتحكيمٌ للأمر.

والمقصود: أنَّ ما أشار إليه في هذا الباب غايته تقرير توحيد الأفعال، وهو توحيد الرُّبوبية.

وأمَّا جَعْلُه ما نصَبَه سبحانه من الأسباب في خلْقِه وأمرِه وأحكامِه وثوابِه وعقابِه تلبيسًا، فتلبيسٌ من النفس عليه - رحمه الله -، وليس ذلك ــ عند العارفين بالله ورسله وأسمائه وصفاته ــ من التلبيس في شيءٍ، وإنّما ذلك مظهر أسمائه وصفاته، وحكمته، ونعمته، وقدرته وعزَّته، إذ ظهور هذه الصِّفات والأسماء يستلزم محالًّا (٣) ومتعلَّقاتٍ تتعلّق بها، وتظهر فيها آثارها، هذا أمرٌ ضروريٌّ للصِّفات والأسماء، إذ العلم لابدَّ له من معلومٍ، وصفةُ الخالقيَّة والرازقيَّة تستلزم وجودَ مخلوقٍ ومرزوقٍ، وكذلك صفة الرحمة والإحسان والحلم


(١) ش, د: «وأمَّا» , تصحيف.
(٢) «وحالا» ليست في ر.
(٣) كذا في النسخ هنا وفي الموضع الآتي, والجادَّة: «محالَّ».

<<  <  ج: ص:  >  >>