للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والعفو والمغفرة والتجاوز تستلزم محالًّا تتعلّق بها، وتظهر فيها آثارها، فالأسباب والوسائط مظاهر الخلق والأمر، فكيف يكون تعليق الأحكام والثواب والعقاب بها تلبيسًا؟ وهل ذلك إلّا حكمةٌ بالغةٌ، وآياتٌ ظاهرةٌ، وشواهدُ ناطقةٌ بربوبيّة مُنْشئِها وكمالِه وثبوت أسمائه وصفاته؟ فإنَّ الكون كما هو محلُّ الخلق والأمر، ومظهر الأسماء والصِّفات، فهو بجميع (١) ما فيه شواهد وأدلّةٌ وآياتٌ، دعا الله سبحانه عباده إلى النظر فيها، والاستدلال بها على وجود الخالق، والاعتبار بما تضمَّنَتْه من الحِكَم والمصالح والمنافع على علمه وحكمته ورحمته وإحسانه، وبما تضمَّنته من العقوبات على عدله، وأنّه يغضب ويسخط ويكره ويمقُت، وبما تضمّنته من المثوبات والإكرام على أنّه يُحِبُّ ويرضى ويفرح. فالكون بجملةِ ما فيه آياتٌ وشواهد وأدلّةٌ، لم يخلق منها شيئًا تلبيسًا، ولا وسَّطه عبثًا، ولا خلَقَه سُدًى.

فالأسباب والوسائط والعلل محلُّ أفكار المتفكِّرين، واعتبار الناظرين، ومعارف المستدلِّين، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} [الحجر: ٧٥]. وكم في القرآن من الحثِّ على النظر فيها، والاعتبار بها، والتفكُّر فيها، وذمِّ من أعرض عنها، والإخبار بأنَّ النظر فيها والاستدلال يوجب العلم والمعرفة بصدق رسله؛ فهي آياتٌ كونيّةٌ مشاهدةٌ تصدِّق الآيات القرآنيّة.

فما علَّقَ بها آثارها سُدًى، ولا رتَّبَ عليها مقتضياتها (٢) وأحكامها باطلًا، ولا جعلَ توسيطَها تلبيسًا البتّةَ، بل ذلك موجب كماله وكمال نعوته


(١) ت: «بجملة».
(٢) د، ر: «مقتضاها».

<<  <  ج: ص:  >  >>