للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكلُّهم تكلَّم في (القبض والبسط) على هذا المنهج، حتَّى جعلوه أقسامًا: قبض تأديبٍ، وقبض تهذيبٍ، وقبض جمعٍ، وقبض تفريقٍ. ولهذا يمتنع به صاحبُه إذا تمكَّن منه من الأكل، والشُّرب، والكلام، وفعل (١) الأوراد، والانبساط إلى الأهل وغيرهم.

فقبض التأديب يكون عقوبةً على غفلةٍ، أو خاطر سوءٍ، أو فكرةٍ رديئةٍ.

وقبض التهذيب يكون إعدادًا لبسطٍ عظيمٍ (٢) شأنه يأتي بعده، فيكون القبض قبله كالتنبيه عليه والمقدِّمة له، كما كان الغتُّ والغطُّ (٣) مقدِّمةً بين يدي الوحي وإعدادًا لوروده. وهكذا الشدَّة مقدِّمةٌ بين يدي الفرج، والبلاء مقدِّمةٌ بين يدي العافية، والخوف الشديد مقدِّمةٌ بين يدي الأمن، وقد جرت (٤) سنَّة الله سبحانه أنّ هذه الأمور النافعة المحبوبة إنَّما يُدخَل إليها من أبواب أضدادها.

وأمَّا قبض الجمع: فهو ما يحصل للقلب حالة جمعيَّته على الله من انقباضه عن العالم وما فيه، فلا يبقى فيه فضلٌ ولا سعةٌ لغير من اجتمع قلبه


(١) في النسخ عدا ر: «نقل»، تصحيف.
(٢) ت: «عظُم».
(٣) يشير إلى قوله - صلى الله عليه وسلم - في وصف بدء الوحي وهو في غار حراء: «فأخذني (أي: جبريل) فغطَّني حتى بلغ مني الجَهد». أخرجه البخاري (٣) ومسلم (١٦٠) من حديث عائشة. وفي رواية ابن إسحاق ــ كما في «سيرة ابن هشام» (١/ ٢٣٦) ــ: «فغتَّني»، وهما بمعنى.
(٤) سقطت من ش.

<<  <  ج: ص:  >  >>