للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومساعدًا للضعيف، ومغيثًا (١) للملهوف؛ فيضرب في كلِّ غنيمةٍ من الغنائم بسهمٍ، فهو مع المتسبِّبين متسبِّب، ومع المتعلِّمين متعلِّم، ومع الغزاة غازٍ، ومع المصلِّين مصلٍّ، ومع المتصدِّقين متصدِّق؛ فهو يتنقَّل في منازل العبوديَّة من عبوديَّة إلى عبوديَّة، وهو مقيمٌ على معبودٍ واحدٍ لا ينتقل عنه إلى غيره.

وقال يحيى بن معاذٍ: العارف كائنٌ بائنٌ (٢). وهذا يُفسَّر على وجوهٍ:

منها: أنَّه كائنٌ مع الخلق بظاهره، بائنٌ عنهم بسرِّه وقلبه.

ومنها: أنَّه كائنٌ بربِّه بائنٌ عن نفسه.

ومنها: أنَّه كائنٌ مع أبناء الآخرة، بائنٌ عن أبناء الدُّنيا.

ومنها: أنَّه كائنٌ مع الله بموافقته، بائنٌ عن الناس في مخالفته.

ومنها: أنَّه داخلٌ في الأشياء خارجٌ منها؛ فإنَّ مِن الناس مَن هو داخلٌ فيها لا يقدر على الخروج منها، ومنهم من هو خارجٌ عنها لا يقدر على الدُّخول فيها، والعارف داخلٌ فيها خارجٌ منها. ولعلَّ هذا أحسن الوجوه.

وقال ذو النُّون: علامة العارف ثلاثة: لا يطفئ نورُ معرفته نورَ ورعه، ولا يعتقد باطنًا من العلم ينقض عليه ظاهرًا من الحُكم، ولا تحمله كثرة نعم الله على هتك أستار محارم الله (٣).

وهذا من أحسن ما قيل في المعرفة، وهو محتاجٌ إلى شرح، فإنَّ كثيرًا من


(١) ش، د: «معينًا».
(٢) «القشيرية» (ص ٦٤٦).
(٣) «اللمع» (ص ٣٩) و «القشيرية» (ص ٦٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>