للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كلامٌ ظاهره منكرٌ جدًّا، ويحتاج إلى شرحٍ: فالعارف لا يرائي المخلوق طلبًا للمنزلة في قلبه (١)، وإنَّما يكون رياؤه نصيحةً وإرشادًا وتعليمًا ليقتدى به، فهو يدعو إلى الله بعمله كما يدعو إليه بقوله، فهو ينتفع بعمله وينفع (٢) به غيرَه، وإخلاص المريد مقصورٌ على نفسه؛ فالعارف جمع بين الإخلاص والدعوة إلى الله، فإخلاصه في قلبه، وهو يُظهِر عمله وحاله ليقتدى به. والعارف ينفع بسكوته، والعالم إنَّما ينفع بكلامه.

ولو سكتوا أَثْنَتْ عليك الحقائبُ (٣)

وقال ذو النُّون: الزُّهّاد ملوك الآخرة، وهم فقراء العارفين (٤).

وسئل الجنيد عن العارف؟ فقال: لون الماء لون إنائه (٥). وهذه كلمةٌ رمز بها إلى حقيقة العبوديَّة، وهو أنه يتلوَّن بتلوُّن أقسام العبوديَّة، فبينا تراه مصلِّيًا إذ رأيته ذاكرًا، وقارئًا (٦)، ومعلِّمًا، ومتعلِّمًا، ومجاهدًا، وحاجًّا،


(١) ش، د: «قلبهم».
(٢) ت: «ينتفع».
(٣) عجز بيت من ثلاثة أبيات لنُصَيب بن رَباح يمدح فيها سليمان بن عبد الملك، وصدره:
فعاجُوا فأثنَوا بالذي أنتَ أهلُه
انظر: «البيان والتبيُّن» (١/ ٨٣)، «الكامل» (١/ ٢٣٨) و «أمالي القالي» (١/ ٩٤).
(٤) «القشيرية» (ص ٦٤٤).
(٥) ذكره عن الجنيد الكلاباذيُّ في «التعرُّف» (ص ١٠٦) والقشيري (ص ٦٤٤). ونسبه الطوسي في «اللمع» (ص ٣٦) إلى أبي يزيد.
(٦) ر: «أو قارئًا»، وكذا المعطوفات الآتية.

<<  <  ج: ص:  >  >>