وقد جمعت الفاتحة الوسيلتين: التّوسُّلَ بالحمد لله والثناء عليه وتمجيده، والتّوسُّلَ إليه بعبوديّته وتوحيده. ثمّ جاء سؤال أهمِّ المطالب وأنجح الرَّغَبات ــ وهو الهداية ــ بعد الوسيلتين؛ فالدّاعي به حقيقٌ بالإجابة.
ونظير هذا: دعاء النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - الذي كان يدعو به إذا قام يصلِّي من اللَّيل. رواه البخاريُّ في "صحيحه"(١) من حديث ابن عبّاسٍ - رضي الله عنهما -: "اللهمّ لك الحمد، أنت نور السّماوات والأرض ومن فيهنّ. ولك الحمد، أنت قَيِّمُ السّماوات والأرض ومن فيهنّ. ولك الحمد، أنت الحقُّ، ووعدك الحقُّ، ولقاؤك حقٌّ، والجنّة حقٌّ، والنّار حقٌّ، والنّبيُّون حقٌّ، والسّاعة حقٌّ، ومحمّدٌ حقٌّ. اللهمّ لك أسلمتُ، وبك آمنتُ، وعليك توكّلتُ، وإليك أنبتُ، وبك خاصمتُ، وإليك حاكمتُ. فاغفر لي ما قدَّمتُ وما أخَّرتُ، وما أسررتُ وما أعلنتُ. أنت إلهي لا إله إلّا أنت". فذكر التّوسُّل إليه بحمده والثّناء عليه وبعبوديّته له، ثمّ سأله المغفرة.
فصل
في اشتمال هذه السُّورة على أنواع التّوحيد الثّلاثة التي اتّفقت عليها الرُّسل صلوات الله وسلامه عليهم.
التّوحيد نوعان: نوعٌ في العلم والاعتقاد، ونوعٌ في الإرادة والقصد.