للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالإشكال إنَّما نشأ من جعلهم المشيئة نفس المحبَّة، ثمَّ زاد بجعلهم (١) الفعل نفس المفعول، والقضاءَ عينَ المقضيِّ. فنشأ من ذلك إلزامُهم بكونه تعالى راضيًا محبًّا لذلك، والتزامُ رضاهم به.

والذي يكشف هذه الغمَّة، ويبصِّر من هذه العماية، وينجي من هذه الورطة: التفريق بين ما فرَّق الله بينه وهو المشيئة والمحبَّة، فليسا واحدًا، ولا هما متلازمين، بل قد يشاء ما لا يحبُّه، ويحبُّ ما لا يشاء كونه.

فالأوَّل: كمشيئته لوجود إبليس وجنوده، ومشيئته العامَّة لجميع ما في الكون مع بغضه لبعضه.

والثاني: كمحبَّته إيمانَ الكفار، وطاعاتِ الفجَّار، وعدلَ الظالمين، وتوبة الفاسقين. ولو شاء ذلك لوُجد كلُّه (٢)، فإنَّه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.

فإذا تقرَّر هذا الأصل، وأنَّ الفعل غير المفعول، والقضاء غير المقضيِّ، وأنَّ الله سبحانه لم يأمر عباده بالرِّضا بكلِّ ما خلقه وشاءه= زالت الشُّبهات، وانحلَّت الإشكالات ولله الحمد، ولم يبق بين شرع الربِّ وقدره تناقضٌ بحيث يُظنُّ إبطال أحدهما للآخر. بل القدر ينصر الشرع، والشرع يصدِّق القدر، وكلٌّ منهما يحقِّق الآخر.

إذا عرف هذا، فالرِّضا بالقضاء الديني الشرعي واجب، وهو أساس


(١) ش: «زاده جعلُهم»، ع: «زادوه بجعلهم»، وكلاهما صواب أيضًا. والمثبت من ن. وفي سائر النسخ: «زاده بجعلهم»، خطأ.
(٢) في ع زيادة: «وكان جميعُه».

<<  <  ج: ص:  >  >>