للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإسلام وقاعدة الإيمان. فيجب على العبد أن يكون راضيًا به بلا حرجٍ ولا منازعة، ولا معارضةٍ ولا اعتراض. قال تعالى: {وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (٦٥)} [النساء: ٦٥]، فأقسم أنَّهم لا يؤمنون حتَّى يحكِّموا رسوله، ويرتفع الحرج من نفوسهم من حكمه، ويسلِّموا لحكمه. وهذا حقيقة الرِّضا بحكمه، فالتحكيم في مقام الإسلام، وانتفاء الحرج في مقام الإيمان، والتسليم في مقام الإحسان.

ومتى خالط القلبَ بشاشةُ الإيمان، واكتحلت بصيرته بحقيقة اليقين، وحَيِيَ بروح الوحي، وتمهَّدت طبيعته، وانقلبت النفس الأمَّارة مطمئنَّةً ريِّضةً (١) وادعةً، وتلقَّى أحكام الربِّ تعالى بصدرٍ واسعٍ منشرحٍ مسلِّمٍ= فقد رضي كلَّ الرِّضا بهذا القضاء الدينيِّ المحبوب لله ورسوله.

والرِّضا بالقضاء الكوني القدري الموافقِ لمحبَّة العبد وإرادته ورضاه، مِن الصحَّة والغنى والعافية واللذَّة= أمرٌ لازمٌ بمقتضى الطبيعة، فإنَّه ملائم للعبد محبوبٌ له. فليس في الرِّضا عبوديَّة (٢)، بل العبوديَّة في مقابلته بالشُّكر والاعترافِ بالمنَّة، ووضع النِّعمة مواضعها التي يحبُّ الله أن توضع فيها،


(١) أي: مُرتاضةً ذَلولًا. هذا هو المراد هنا، وإلا فـ «الريِّض» من الدوابِّ في اللغة: ضد الذلول، وهو الصعب الذي لا يقبل الرياضة أو الذي لم يرتَضْ بعدُ. وانظر: «تصحيح التصحيف» للصفدي (ص ٢٩٢) و «تكملة المعاجم» لدوزي (٥/ ٢٥١).
(٢) أي: لذاته، وإلا فمن حيث كونه باعثًا على الشكر الواجب، فهو واجب. وقد قال المؤلف في «شفاء العليل» (٢/ ٧٦٢): إنه يجب الرضا بالنعم لأنه «يجب شكرُها، ومن تمام شكرها الرضا بها».

<<  <  ج: ص:  >  >>