للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسلمين أخًا، وأن لا تردَّ على عدوِّك حقًّا، وتقبلَ من المعتذرِ معاذيرَه).

يقول: إذا كان الله قد رضي أخاك المسلم لنفسه عبدًا، أفلا ترضى انتسابه أخًا؟ فعدمُ رضاك به أخًا ــ وقد رضِيَه سيِّدك الذي أنت عبده عبدًا (١) لنفسه ــ عين الكِبْر. وأيُّ قبيحٍ أقبحُ من تكبُّر العبد على عبدٍ مثلِه لا يرضى بأخوّته، وسيِّده راضٍ بعبوديّته؟

فيجيء من هذا: أنّ المتكبِّر غير راضٍ بعبوديّة سيِّده، إذ عبوديّته تُوجب رضاه بأخوّة عبده، وهذا شأن عبيد الملوك، فإنّهم يرون بعضهم خُشْداشِيةَ (٢) بعضٍ، ومن ترفَّع منهم عن ذلك لم يكن من عبيدِ أستاذهم.

قوله: (وأن لا تردّ على عدوِّك حقًّا).

أي لا تصحُّ لك درجة التّواضع حتّى تقبل الحقّ ممّن تحبُّ وممّن تُبغِض، فتقبله من عدوِّك كما تقبله من وليِّك، وإذا لم تردَّ عليه حقَّه فكيف تمنعه حقًّا له قبلك؟ بل حقيقة التّواضع أنّه إذا جاءك قبلتَه منه، وإذا كان له عليك حقٌّ أدّيتَه إليه، فلا تمنعك عداوتُه من قبول حقِّه، ولا من إيفائه إيّاه.

وأمّا قبولك من المعتذر معاذيره، فمعناه: أنّ من أساء إليك ثمّ جاء يعتذر (٣) من إساءته، فإنّ التّواضع يوجب عليك قبول (٤) معذرته، حقًّا كانت


(١) «عبدا» ليست في ش، د.
(٢) مفرده «خُشداش»، وأصله بالفارسية «خواجه تاش». وهو بمعنى مملوك مع آخر من المماليك في خدمة سيد كبير. انظر: «تكملة المعاجم العربية» (٤/ ٢٦، ١٠١).
(٣) ل: «معتذرًا».
(٤) «قبول» ليست في ل.

<<  <  ج: ص:  >  >>