المقامات فيؤمرَ باكتساب أسبابها. فهذا فصل الخطاب في هذا الموضع. والله أعلم.
فصل
قوله:(ولا مشاهدًا لأحدٍ، فيكون متزيِّنًا (١) بالمراياة)، هذا فيه تفصيلٌ أيضًا، وهو أنَّ المشاهدة في العمل لغير الله نوعان:
- مشاهدةٌ تبعث عليه أو تقوِّي باعثَه، فهذه مراياةٌ خالصةٌ أو مشوبةٌ. كما أنّ المشاهدة القاطعة عنه أيضًا من الآفات والحجب.
- ومشاهدةٌ لا تبعث عليه ولا تعين الباعث، بل لا فرق عنده بين وجودها وعدمها. فهذه لا تُدخله في التّزيُّن بالمراياة، ولا سيَّما عند المصلحة الراجحة في هذه المشاهدة: إمَّا حفظًا له ورعايةً، كمشاهدة مريضٍ أو مشرفٍ على هلكةٍ يخاف وقوعه فيها. أو مشاهدة عدوٍّ يخاف هجومَه كصلاة الخوف عند المواجهة. أو مشاهدة ناظرٍ إليك يريد أن يتعلَّم منك، فتكون محسنًا إليه بالتعليم، وإلى نفسك بالإخلاص. أو قصدًا منك للاقتداء وتعريف الجاهل. فهذا رياءٌ محمود. والله عند نيَّة القلب وقصده.
فالرِّياء المذموم أن يكون الباعث قصدَ التعظيم والمدح، والرغبةَ فيما عند من يرائيه، أو الرهبةَ منه. وأمَّا ما ذكرنا من قصد رعايته، أو تعليمه، أو إظهار السُّنة، وملاحظة هجوم العدوِّ، ونحو ذلك= فليس في هذه المشاهدة رياء.
بل قد يتصدَّق العبد رياءً مثلًا، وتكون صدقته فوقَ صدقة صاحب
(١) ج، ن: «متديِّنا»، وهو لفظ مطبوعة «المنازل» كما سبق التنبيه عليه.