للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السرِّ. مثال ذلك: رجلٌ مضرورٌ سأل قومًا ما هو محتاجٌ إليه، فعلم رجلٌ منهم أنَّه إن أعطاه سرًّا حيث لا يراه أحدٌ لم يقتدِ به أحدٌ ولم يحصل له سوى تلك العطيَّة، وأنَّه إن أعطاه جهرًا اقتُدي به واتُّبع، وأنف الحاضرون من تفرُّده عنهم بالعطيَّة، فجهر له بالعطاء، وكان الباعث له على الجهر إرادة سعة العطاء عليه من الحاضرين؛ فهذه مراياة محمودة، حيث لم يكن الباعث عليها قصدَ التعظيم والثناء، وصاحبُها جديرٌ بأن يحصل له مثلُ أجور أولئك المعطين.

قوله: (فإنَّ هذه الأوصاف كلها من شُعَب عبادة النفس)، يعني أنَّ الخائف مشتغل بحفظ نفسه من العذاب، ففيه عبادة لنفسه، إذ هو متوجِّه إليها. وطالب المثوبة متوجِّهٌ إلى طلب حظِّ نفسه، وذلك شعبة من عبوديَّتها. والمشاهدُ للناس في عبادته فيه شعبةٌ من عبوديَّة نفسه، إذ هو طالبٌ لتعظيمهم وثنائهم ومدحهم. فهذه شعبٌ من شعب عبادة النفس (١).

والأصل الذي هذه الشُّعب فروعُه هي النفس، فإذا ماتت بالمجاهدة، والإقبال على الله، والاشتغال به، ودوام المراقبة له= ماتت هذه الشُّعب. فلا جرم بناء أمر هذه الطائفة على ترك النفس (٢).

وقد علمت أنَّ الخوف وطلب الثواب ليس من عبادة النفس في شيءٍ. نعم، التّزيُّن بالمراياة عين عبادة النفس والناس (٣). والكلامُ في أمرٍ أرفع من هذا، فإنَّ حال المرائي أخسُّ ونفسَه أسقطُ وهمَّتَه أدنى من أن يدخل في شأن


(١) ع: «عبودية النفس».
(٢) ع: «ترك عبادة النفس».
(٣) «والناس» ساقط من ع.

<<  <  ج: ص:  >  >>