للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكنّ هذا الموضع مورد الصِّدِّيق الموحِّد، والزِّنديق الملحد.

فالزِّنديق يقول: الاشتغال بالسّير بعد الوصول عبثٌ (١) لا فائدة فيه. والوصول عنده هو ملاحظة عينِ الجمع. فإذا استغرق في هذا الشُّهود، وفني به عن كلِّ ما سواه= ظنّ أنّ ذلك هو الغاية المطلوبة بالأوراد والعبادات، وقد حصلتْ له الغاية، فرأى قيامَه بها أولى به وأنفع له من الاشتغال بالوسيلة. فالعبادات البدنيّة عنده وسيلةٌ لغايةٍ، وقد حصلتْ، فلا يُغني الاشتغال (٢) بالوسيلة بعدها، كما يقول كثيرٌ من النّاس: إنّ العلم وسيلةٌ إلى العمل، فإذا اشتغلتَ بالغاية لم تَحتجْ إلى الوسيلة.

وقد اشتدّ نكيرُ أهل (٣) الاستقامة من الشُّيوخ على هذه الفرقة، وحذَّروا منهم، وجعلوا أهل الكبائر وأصحاب الشّهوات خيرًا منهم وأرجى عاقبةً.

وأمّا الصِّدِّيق الموحِّد: فإذا وصل إلى (٤) هناك صارت أعماله القلبيّة والرُّوحيّة أعظمَ من أعماله البدنيّة، ولم يُسقِط من طاعاتِه (٥) شيئًا، لكنّه استراح من كَدِّ المجاهدة بما لاحظه من (٦) عين الجمع، وصار بمنزلة مسافرٍ طلب مَلِكًا عظيمًا رحيمًا جوادًا، فجَدَّ في السّفر إليه خشيةَ أن يقتطع دونه، فلمّا وصل إليه ووقع بصره عليه بَقَّى له سيرًا آخر في مرضاته ومَحابِّه.


(١) ر: «عيب».
(٢) ر، ت: «معنى للاشتغال».
(٣) ر: «نكير السلف من أهل».
(٤) «إلى» ليست في د.
(٥) ر: «أعماله».
(٦) ر: «بملاحظة».

<<  <  ج: ص:  >  >>