للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبأنَّ التذاذ الأذن بالصوت الطيِّب كالتذاذ العين بالمنظر الحسن، والشمِّ بالروائح الطيِّبة، والفم بالطُّعوم الطيِّبة؛ فإن كان هذا حرامًا كانت جميع هذه اللذَّات والإدراكات محرَّمةً.

فالجواب: أنَّ هذا (١) حيدةٌ عن المقصود، وروغانٌ عن محلِّ النزاع، وتعلُّقٌ بما لا تعلُّق (٢) به، فإنَّ جهة كون الشيء مستلذًّا (٣) للحاسَّة ملائمًا لها لا يدلُّ على إباحته ولا تحريمه، ولا كراهته ولا استحبابه، فإنَّ هذه اللذَّة تكون في الأحكام الخمسة: تكون في الحرام، والواجب، والمكروه، والمستحبِّ، والمباح؛ فكيف يَستدلُّ بها على الإباحة مَن يعرف شروط الدليل ومواقع الاستدلال؟!

وهل هذا إلَّا بمنزلة من استدلَّ على إباحة الزِّنا بما يجد به فاعلُه من اللذَّة، وأنَّ لذَّته لا ينكرها ذو طبع سليم؟ وهل يَستدلُّ بوجود اللذَّة والملاءمة على حِلِّ اللذيذ الملائم أحدٌ؟ وهل خَلَت غالبُ المحرَّمات من اللذَّات؟ وهل أصوات المعازف التي صحَّ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - تحريمُها وأنَّ في أمّته من يستحلُّها بأصحِّ إسنادٍ (٤)، وأجمع أهل العلم على تحريم بعضها، وقال جمهورهم بتحريم جملتها= إلَّا لذيذةٌ تلَذُّ (٥) للسمع؟ وهل في التذاذ


(١) ع: «هذه».
(٢) ع: «متعلَّق».
(٣) ع: «ملتذًّا».
(٤) يعني: حديث البخاري (٥٥٩٠) عن أبي عامر ــ أو أبي مالك ــ الأشعري مرفوعًا: «ليكونَنَّ من أمتي أقوام يستحلُّون الحر والحرير والخمر والمعازف ... ».
(٥) ع: «تلتذُّ».

<<  <  ج: ص:  >  >>