للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجَمَل والطفل بالصوت الطيِّب دليلٌ على حُكمه مِن إباحةٍ أو تحريم؟

وأعجب من هذا: الاستدلالُ على الإباحة بأنَّ الله خلق الصوت الطيِّب، وهو زيادة نعمةٍ منه لصاحبه.

فيقال: والصُّورة الحسنة الجميلة أليست زيادةً في النِّعمة، واللهُ خالقها ومعطي حسنها؟ أفيدلُّ ذلك على إباحة التّمتُّع بها والالتذاذ بها على الإطلاق؟! وهل هذا إلَّا مذهبُ أهل الإباحة الجارين مع رسوم الطبيعة؟ وهل في ذمِّ الله لصوت الحمار ما يدلُّ على إباحة الأصوات المطربات بالنَّغَمات الموزونات، والألحان اللذيذات، من الصُّور المستحسنات، بأنواع القصائد المستحسنات، بالدُّفوف والشبَّابات (١)؟ هذا وأبيك (٢) إحدى المضحكات المُعجِبات!

وأعجب من هذا: الاستدلال على الإباحة بسماع أهل الجنَّة. وما أجدرَ صاحبَه أن يستدلَّ على إباحة الخمر بأنَّ في الجنَّة خمرًا، وعلى لبس الحرير بأنَّ لباس أهلها حريرٌ، وعلى حلِّ أواني الذهب والفضَّة والتَّحلِّي بها للرِّجال بكون ذلك ثابتًا في الجنَّة!

فإن قال: قد قام الدليل على تحريم هذا، ولم يقم على تحريم السماع.

قيل: هذا الآن استدلالٌ آخر غير الاستدلال بإباحته لأهل الجنَّة، فعلم أنَّ استدلالك بإباحته لأهل الجنة استدلال باطل لا يرضى به مُحصِّل.

وأمَّا قولك: لم يقم دليلٌ على تحريم السّماع، فيقال لك: أيَّ السّماعات


(١) الشَّبَّابة: قصبة يُزمَّر بها، وتسمَّى اليَراعة والزمَّارة.
(٢) في ع زيادة: «من الهذيانات و».

<<  <  ج: ص:  >  >>