للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولذلك قال ابنُ عبّاسٍ - رضي الله عنهما -: الفاحشة: الزِّنى. والمنكَر: ما لم يُعرَف في شريعةٍ ولا سنّةٍ (١). فتأمَّلْ تفريقَه بين ما لم يُعرَف حسنُه ولم يؤلَف، وبين ما استقرَّ قبحُه في الفِطَر والعقول.

فصل

وأمّا القول على الله بلا علمٍ، فهو أشدُّ هذه المحرّمات تحريمًا، وأعظمها إثمًا. ولهذا ذُكر في المرتبة الرَّابعة من مراتب المحرَّمات التي اتّفقت عليها الشَّرائعُ والأديانُ، ولا تباح بحالٍ، بل لا تكون إلّا محرَّمةً، وليست كالميتة والدَّم ولحم الخنزير، الذي يباح في حالٍ دون حالٍ.

فإنَّ المحرَّمات نوعان: محرَّمٌ لذاته لا يباح بحالٍ، ومحرَّمٌ تحريمُه عارضٌ في وقتٍ دون وقتٍ. قال تعالى في المحرَّم لذاته: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الأعراف: ٣٣]. ثمّ انتقل منه إلى ما هو أعظم منه، فقال: {وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا}، ثمَّ انتقل منه إلى ما هو أعظم منه، فقال: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (٢). فهذا أعظمُ المحرَّمات عند الله وأشدُّها إثمًا، فإنَّه يتضمَّن الكذبَ على الله، ونسبتَه إلى ما لا يليق به، وتغييرَ دينه وتبديلَه، ونفيَ ما أثبته وإثباتَ ما نفاه، وتحقيقَ ما أبطله وإبطالَ ما أحقَّه، وعداوةَ من والاه وموالاةَ من عاداه، وحبَّ ما أبغضه وبغضَ ما أحبّه، ووصفَه بما لا يليق به في ذاته وصفاته وأقواله وأفعاله. فليس في أجناس المحرَّمات أعظَمُ عند الله منه ولا أشدُّ إثمًا، وهو


(١) "تفسير البغوي" (٥/ ٣٨).
(٢) وانظر: "أعلام الموقعين" (١/ ٨٠) و"الجواب الصحيح" (٢/ ٢١٦) و (٤/ ٢١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>