للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصلُ الشِّرك والكفر، وعليه أُسِّست البدعُ والضَّلالاتُ، فكلُّ بدعةٍ مُضلَّةٍ في الدِّين أساسُها القولُ على الله تعالى بلا علمٍ.

ولهذا اشتدَّ نكيرُ السَّلف والأئمّة لها، وصاحوا بأهلها من أقطار الأرض، وحذَّروا فتنتَهم أشدَّ التَّحذير، وبالغوا في ذلك ما لم يبالغوا مثلَه في إنكار الفواحش والظُّلم والعدوان؛ إذ مضرَّةُ البدع وهدمُها للدِّين ومنافاتُها له أشدُّ.

وقد أنكر تعالى على من نسب إلى دينه تحليلَ شيءٍ أو تحريمَه من عنده، بلا برهانٍ من الله، فقال: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (١١٦) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النحل: ١١٦ - ١١٧]. فكيف بمن نسب إلى أوصافه ما لم يصِفْ به نفسَه، أو نفى عنه منها ما وصَف به نفسَه؟

قال بعض السَّلَف (١): ليحذر أحدكم أن يقول: أحلَّ الله كذا أو حرَّم الله كذا، فيقول الله له: كذبتَ، لم أُحِلَّ هذا، ولم أُحرِّم هذا. يعني التَّحليل والتَّحريم بالرَّأي المجرَّد، بلا برهانٍ من الله ورسوله.

وأصلُ الشِّرك والكفر هو القول على الله بلا علمٍ، فإنَّ المشركَ يزعم أنَّ من اتَّخذه معبودًا من دون الله يُقرِّبه إلى الله، ويشفَع له عنده، ويقضي حاجته بواسطة (٢)، كما تكون الوسائطُ عند الملوك. فكلُّ مشركٍ قائلٌ على الله بلا علمٍ، دون العكس، إذ القولُ على الله بلا علمٍ قد يتضمَّن التَّعطيلَ والابتداعَ


(١) هو الرَّبيع بن خُثَيم كما نقل المؤلف في "أعلام الموقعين" (١/ ٩١). وقد أخرجه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (٢٠٩٠)، والخطيب في "الفقيه والمتفقه" (١/ ٥٢٩).
(٢) ج، ع: "بواسطته".

<<  <  ج: ص:  >  >>