للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في دين الله، فهو أعمُّ من الشِّرك، والشِّركُ فردٌ من أفراده.

ولهذا كان الكذبُ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موجبًا لدخول النَّار واتِّخاذ منزلةٍ منها مبوَّأَه ــ وهو المنزلُ اللَّازم الذي لا يفارقه صاحبُه ــ لأنّه متضمِّنٌ للقول على الله بلا علمٍ، بل صريحُ الكذب عليه؛ لأنَّ ما يضاف إلى الرَّسول فهو مضافٌ إلى المرسِل، والقولُ على الله بلا علمٍ صريحُ افتراءِ الكذبِ عليه. {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} [الأنعام: ٢١].

فذنوبُ أهل البدع كلُّها داخلةٌ تحت هذا الجنس، فلا تتحقَّق التَّوبةُ منه إلّا بالتَّوبة من البدع. وأنّى بالتَّوبة منها لمن لم يعلم أنّها بدعةٌ، أو يظنُّها سنّةً فهو يدعو إليها ويحضُّ عليها؟ فلا ينكشف لهذا ذنوبُه التي تجبُ عليه التَّوبةُ منها إلّا بتضلُّعه من السُّنَّة، وكثرةِ الاطِّلاعِ عليها، ودوامِ البحث عنها والتَّفتيشِ عليها، ولا ترى صاحبَ بدعةٍ كذلك أبدًا.

فإنَّ السُّنّةَ بالذَّات تمحقُ البدعة، ولا تقوم لها (١). فإذا طلعت شمسُها في قلب العبد قطَعت من قلبه ضَبابَ كلِّ بدعةٍ، وأزالت ظلمةَ كلِّ ضلالةٍ، إذ لا سلطانَ للظُّلمة مع سلطان الشَّمس. ولا يُري العبدَ الفرقَ بين السُّنَّة والبدعة ويعينُه على الخروج من ظُلَمِها إلى نور السُّنّة إلّا تجريدُ المتابعة، والهجرةُ بقلبه كلَّ وقتٍ إلى الله بالاستعانةِ والإخلاصِ وصدقِ اللَّجإ، وإلى رسوله بالحرص على الوصول إلى أقواله وأعماله وهديه وسنَّته. "فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرتُه إلى الله ورسوله" (٢)، ومن هاجر إلى


(١) يعني: لا تقوم البدعةُ للسُّنَّة.
(٢) من حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -. وقد تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>