للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غيرُه، مع استوائهما في حفظه وفهمِ أصل معناه.

فالفهمُ عن الله ورسوله عنوان الصِّدِّيقيّة ومنشور الوراثة (١) النّبويّة. وفيه تفاوتت مراتب العلماء، حتّى عُدَّ ألفٌ بواحدٍ (٢).

فانظر إلى فهم ابن عبّاسٍ - رضي الله عنهما - وقد سأله عمر، ولمن حضر من أهل بدرٍ وغيرهم، عن سورة {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} وما خُصَّ به ابنُ عبّاسٍ من فهمه منها: نعيَ الله سبحانه نبيَّه إلى نفسه وإعلامَه بحضور أجله؛ وموافقةِ عمر (٣) له على ذلك (٤)، وخفائه (٥) على غيرهما من الصّحابة - رضي الله عنهم -، وابنُ عبّاسٍ إذ ذاك أحدثُهم سنًّا. وأين تجد في هذه السُّورة الإعلام بأجله، لولا الفهم الخاصُّ؟ ويَدِقُّ هذا حتّى يصل إلى مراتب تتقاصر عنها أفهامُ أكثر النّاس، فيحتاج مع النّصِّ إلى غيره؛ ولا يقع الاستغناء بالنُّصوص في حقِّه، وأمّا في حقِّ صاحب الفهم فلا يحتاج مع النُّصوص إلى غيرها.

فصل

المرتبة السادسة: مرتبة البيان العامِّ.

وهو تبيينُ الحقِّ وتمييزُه من الباطل بأدلّته وشواهده وأعلامه، بحيث يصير مشهودًا للقلب كشهود العين للمرئيّات.


(١) ع: "الولاية".
(٢) اقتباس من قول البحتري وهو من أبياته السائرة (ديوانه ١/ ٦٢٥):

ولم أر أمثال الرجال تفاوتت ... إلى الفضل حتى عُدَّ ألفٌ بواحدِ
(٣) سياق الكلام: "فانظر إلى فهم ابن عباس ... وموافقةِ عمر".
(٤) كما في "صحيح البخاري" (٣٦٢٧) وغيره من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -.
(٥) رسمه في الأصل وغيره: "خفاؤه".

<<  <  ج: ص:  >  >>