للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنهم من يقول: تولُّده من شعور القلب بما يَستحيي منه، وشدَّة نفرته عنه، فيتولَّد من هذا الشُّعور والنُّفرة حالةٌ تسمَّى الحياء.

ولا تنافي بين هذه الأقوال، فإنَّ للحياء عدَّة أسبابٍ قد تقدَّم ذكرُها، فكلٌّ أشار إلى بعضها.

فصل

قال (١): (وهو على ثلاث درجاتٍ. الدرجة الأولى: حياءٌ يتولَّد من علم العبد بنظر الحقِّ إليه، فيجذبه إلى تحمُّل المجاهدة، ويحمله على استقباح الجناية، ويستكفُّه عن الشكوى).

يعني: أنَّ العبد متى علم أنَّ الربَّ تعالى ناظرٌ إليه أورثه هذا العلمُ حياءً منه، يجذبه إلى احتمال أعباء الطاعة، مثل العبد إذا عمل الشُّغل بين يدي سيِّده فإنَّه يكون نشيطًا فيه متحمِّلًا لأعبائه (٢)، بخلاف ما إذا كان غائبًا عن سيِّده. والربُّ تعالى لا يغيب نظره عن عبده، ولكن يغيب نظر القلب والتفاته إلى نظره سبحانه إلى العبد (٣).

وكذلك يحمله على استقباح جنايته، وهذا الاستقباح الحاصل بالحياء قدرٌ زائدٌ على استقباح ملاحظة الوعيد، وهو فوقه. وأرفع منه درجةً: الاستقباح الحاصل عن المحبَّة، فاستقباح المحبِّ أتمُّ من استقباح الخائف.


(١) «المنازل» (ص ٤٢) و «شرح التلمساني» (ص ٢٣٨) واللفظ له.
(٢) زاد في ع: «ولاسيما مع الإحسان من سيده إليه ومحبته لسيده».
(٣) زاد في ع: «فإن القلب إذا غاب نظره وقلَّ التفاته إلى نظر الله ــ تبارك وتعالى ــ إليه تولَّد له من ذلك قلةُ الحياء والقِحةُ».

<<  <  ج: ص:  >  >>