للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

المشهد (١) الحادي عشر: وهو أجلُّ المشاهد وأرفعها: مشهد التوحيد، فإذا امتلأ قلبه بمحبّة الله تعالى، والإخلاصِ له ومعاملته، وإيثارِ مرضاته، والتّقرُّب إليه، وقرّتْ عينه بالله (٢)، وابتهجَ قلبه بحبِّه والأنسِ به، واطمأنّ إليه، وسكنَ إليه، واشتاق إلى لقائه، واتّخذه وليًّا دونَ ما سواه، بحيث فوَّض إليه أمورَه كلّها، ورضي به وبأقضيته، وفَنِيَ بحبِّه وخوفه ورجائه وذكره والتّوكُّل عليه عن كلِّ ما سواه= فإنّه (٣) لا يبقى في قلبه متّسَعٌ لشهودِ أذى النّاس له البتّةَ، فضلًا عن أن يشتغل (٤) قلبه وفكره وسِرُّه بتطلُّب الانتقام والمقابلة، فهذا لا يكون إلّا من قلبٍ ليس فيه ما يُغنِيه عن ذلك ويُعوِّضه منه، فهو قلبٌ جائعٌ غير شَبعانَ، فإذا رأى أيّ طعامٍ رآه هَفَتْ إليه نوازِعُه، وانبعثتْ إليه دواعِيه. وأمّا من امتلأ قلبه بأعلى الأغذية وأشرفها فإنّه لا يلتفت إلى ما دونها، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.

فصل

وأمّا قوله: (إنه يستفيد بمعرفة أقدار النّاس، وجريانِ الأحكام عليهم: محبَّتَهم له، ونجاتَهم به)، فلأنّه إذا عاملَهم بهذه المعاملة: من إقامة أعذارِهم، والعفوِ عنهم، وتركِ مقابلتهم= اشتدَّت محبَّتُهم له، وكان ذلك سببًا لنجاتهم


(١) «المشهد» ليست في د.
(٢) «بالله» ليست في ل.
(٣) جواب «فإذا امتلأ» قبل أسطر.
(٤) ل: «يشغل».

<<  <  ج: ص:  >  >>