للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمّا الضِّيق عن الصّبر نفاسةً فهو أن يَضِيق ذَرعُه بالصّبر عن محبوبه. وهذا هو الصّبر الذي لا يُذَمُّ من أنواع الصّبر سواه، أو ما كان من وسيلته. والحامل له على هذا الضِّيق مغالاتُه بمحبوبه، وهي النّفاسة، فإنّه ــ لمنافسته ورغبته فيه ــ لا يسامح نفسه بالصّبر عنه.

والمنافسة هي كمال الرّغبة في الشّيء، ومنعُ الغير منه إن لم تُمدح فيه المشاركة، والمسابقة إليه إن مُدِحت فيه المشاركة. قال تعالى: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين: ٢٦]. وبين المنافسة والغِبطة جمعٌ وفرقٌ، وبينهما وبين الحسد أيضًا جمعٌ وفرقٌ. فالمنافسة تتضمّن مسابقةً واجتهادًا وحرصًا. والحسد يدلُّ على مهانة الحاسد وعجزه، وإلّا فنافِسْ مَن حسدتَه، فذلك أنفعُ لك من حسدِه، كما قيل (١):

إذا أعجبتْك خلالُ (٢) امرئٍ ... فكُنْه يكنْ منك ما يُعجِبُكْ

فليسَ على الجودِ والمكْرُمات ... إذا جِئتَها حاجبٌ يَحجُبكْ

والغبطة تتضمّن نوعَ تعجُّبٍ وفرحٍ للمغبوط واستحسانٍ لحاله.

فصل

قال (٣): (وهي على ثلاث درجاتٍ. الدّرجة الأولى: غيرةُ العابد على ضائعٍ يَسترِدُّ ضياعَه، ويستدرك فَواتَه، ويتدارك قُواه).


(١) نسبهما ابن عبد البر في «بهجة المجالس» (١/ ٧٩٦) إلى داود بن جهور، وهما في «أدب الدين والدنيا» (ص ٥٨٢) لطاهر بن الحسين، وبلا نسبة في «ديوان المعاني» (١/ ١٠٧)، و «محاضرات الأدباء» (١/ ٣١٠).
(٢) ت: «خصال».
(٣) «المنازل» (ص ٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>