للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صيانته على ابتذاله، ومن صفاته المذمومة على صفاته الممدوحة (١).

وهذه الغيرة خاصِّيّة النّفس الشّريفة الزّكيّة العُلْويّة، وما للنّفس الدّنيّة المَهِينة فيها نصيبٌ، وعلى قدر شرفِ النّفس وعلوِّ همّتها تكون هذه الغيرة.

ثمّ الغيرة أيضًا نوعان: غيرة الحقِّ تعالى على عبده، وغيرة العبد لربِّه لا عليه.

فأمّا غيرة الرّبِّ على عبده: فهي أن لا يجعله للخلق [عبدًا] (٢)، بل يتّخذه لنفسه عبدًا، فلا يجعل له فيه شُركاء متشاكسينَ، بل يُفرِده لنفسه، ويَضَنُّ به على غيره. وهذه أعلى الغيرتين.

وغيرة العبد لربِّه نوعان أيضًا: غيرةٌ من نفسه، وغيرةٌ من غيره. فالّتي من نفسه: أن لا يجعل شيئًا من أعماله وأقواله وأحواله ولا أوقاته وأنفاسه لغير ربِّه. والّتي من غيره: أن يغضب لمحارمه إذا انتهكها المنتهكون، ولحقوقه إذا تهاونَ بها المتهاونون.

وأمّا الغيرة على الله: فأعظمُ الجهل وأبطلُ الباطل، وصاحبها من أعظم النّاس جهلًا، وربّما أدَّتْ بصاحبها إلى معاداته لربّه وهو لا يشعر، وإلى انسلاخه من أصل الدِّين والإسلام. وربّما كان صاحبها شرًّا على السّالكين إلى الله من قُطَّاع الطّريق، بل هو (٣) من قُطّاع طريق السّالكين حقيقةً، وأخرج قَطْع الطّريق في قالب الغيرة. وأين هذا من الغيرة لله التي تُوجب تعظيمَ


(١) ت: «المحمودة».
(٢) ليست في ش، د، ت.
(٣) «هو» ليست في ت.

<<  <  ج: ص:  >  >>