للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

في منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} التي يتنقَّل (١) فيها القلبُ منزلةً منزلةً

في حال سيره إلى الله تعالى

وقد أكثر النّاس في صفة المنازل وعددها، فمنهم من جعلها ألفًا، ومنهم من جعلها مائةً، ومنهم من زاد ونقص (٢)؛ وكلٌّ وصَفَها بحسب سيره وسلوكه. وسأذكر فيها أمرًا مختصرًا جامعًا نافعًا (٣)، إن شاء الله تعالى.

فأوّل منازل العبوديّة: اليقظة. وهي انزعاج القلب لروعة الانتباه من رقدة الغافلين. ولله ما أنفع هذه الرّوعة! وما أعظم قدرها وخطرها! وما أشدَّ إعانتها على السُّلوك! فمن أحسَّ بها فقد أحسَّ والله بالفلاح، وإلّا فهو في سكرات الغفلة، فإذا انتبه شمَّر لله بهمَّته إلى السَّفر إلى منازله الأولى، وأوطانه (٤) التي سُبِي منها.

فحيَّ على جنّاتِ عَدْنٍ فإنّها ... منازلُك الأولى وفيها المخيَّمُ

ولكنّنا سَبْيُ العدوِّ فهل ترى ... نعود إلى أوطاننا ونُسلَّمُ (٥)


(١) هكذا مضبوطًا في ع. وفي ش، ج: "ينتقل".
(٢) أورد صاحب "المنازل" (ص ٢ - ٣) قول أبي بكر الكتَّاني (ت ٣٢٢): "إن بين العبد والحق ألف مقام من نور وظلمة"، ثم ذكر أنه جعل كتابه مائة مقام مقسومة على عشرة أقسام. وانظر: "الرَّدُّ على الشاذلي" لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص ١٦٩).
(٣) لفظ "نافعًا" ساقط من ش.
(٤) ع: "من أوطانه".
(٥) البيتان من ميميَّة المؤلف في "طريق الهجرتين" (١/ ١٠٨)، و"حادي الأرواح" (١/ ١٤) وقد ذكرهما فيه مرة أخرى (٢/ ٦٠٤) وفي "إغاثة اللهفان" (١/ ١١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>