للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله مَن فعَلَ ما أمر به، وترَكَ ما نهى عنه.

فإذن التَّوبةُ هي الرُّجوعُ ممّا يكرهه الله ظاهرًا وباطنًا إلى ما يحبُّه ظاهرًا وباطنًا، ويدخل في مسمَّاها الإسلامُ والإيمانُ والإحسانُ، ويتناول جميعَ المقامات. ولهذا كانت غايةَ كلِّ مؤمنٍ، وبدايةَ الأمر وخاتمتَه، كما تقدَّم. وهي الغايةُ التي وُجِد لأجلها الخلقُ والأمرُ. والتَّوحيدُ جزءٌ منها، بل جزؤها الأعظم الذي عليه بناؤها.

وأكثرُ النَّاس لا يعرفون قدرَ التّوبة ولا حقيقتَها، فضلًا عن القيام بها علمًا وعملًا وحالًا. ولم يجعل الله محبّتَه للتَّوَّابين إلّا وهم خواصُّ الخلقِ لديه. ولولا أنَّ التّوبةَ اسمٌ جامعٌ لشرائع الإسلام وحقائق الإيمان لم يكن الرّبُّ تعالى يفرَحُ بتوبة عبده ذلك الفرحَ العظيمَ. فجميعُ ما يتكلَّم فيه النَّاسُ من المقامات والأحوال هو تفاصيلُ التَّوبة وآثارُها.

فصل

وأمّا الاستغفار، فهو نوعان: مفردٌ، ومقرونٌ بالتّوبة.

فالمفرد: كقول نوحٍ عليه السّلام لقومه: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [نوح: ١٠ - ١١]، وكقول صالحٍ لقومه: {لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [النمل: ٤٦]، وكقوله تعالى: {وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: ١٩٩]، وقوله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ} [الأنفال: ٣٣].

والمقرونُ: كقوله تعالى: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} [هود: ٣]، وقولِ صالحٍ لقومه:

<<  <  ج: ص:  >  >>