للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{فَاسْتَغْفِرُوهُ (١) ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ} [هود: ٦١]، وقول شعيبٍ: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} [هود: ٩٠].

فالاستغفارُ المفردُ كالتَّوبة، بل هو التَّوبة نفسُها، مع تضمُّنه طلبَ المغفرة من الله. وهي محوُ الذّنب، وإزالةُ أثره، ووقايةُ شرِّه، لا كما ظنَّه بعضُ النّاس أنَّها السَّتْر، فإنَّ الله يستُر على من يغفر له ومن لا يغفر له، ولكنَّ السَّترَ لازمُ مسمَّاها أو جزؤه، فدلالتُها عليه إمّا بالتّضمُّن وإمّا باللُّزوم. وحقيقتها: وقاية شرِّ الذَّنب، ومنه المِغْفَر، لما يقي الرَّأسَ من الأذى، والسَّترُ لازمٌ لهذا المعنى، وإلّا فالعِمامةُ لا تسمّى مِغْفرًا، ولا القُبْعُ (٢) ونحوه مع ستره، فلا بدَّ في لفظ المِغْفَر من الوقاية.

وهذا الاستغفار الذي يمنع العذابَ في قوله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ} [الأنفال: ٣٣]، فإنَّ الله لا يعذِّب مستغفرًا. وأمَّا من أصرَّ على الذَّنب، وطلَب من الله مغفرتَه، فهذا ليس باستغفارٍ مطلقٍ، ولهذا لا يمنع العذاب.

فالاستغفار يتضمَّن التَّوبةَ، والتَّوبةُ تتضمَّن الاستغفارَ، وكلُّ واحدٍ منهما يدخل في مسمَّى الآخر عند الإطلاق. وأمَّا عند اقتران إحدى اللَّفظتين بالأخرى، فالاستغفارُ: طلبُ وقايةِ شرِّ ما مضى، والتَّوبةُ: الرُّجوعُ وطلبُ وقاية شرِّ ما يخافه في المستقبل من سيِّئات أعماله.


(١) في جميع النسخ: "واستغفروا ربكم".
(٢) طاقية صغيرة من القطن تلبس تحت العمامة. وقد يُلبَس القُبْعُ وحده إذا كان مزركشًا. انظر: "المعجم العربي لأسماء الملابس" (ص ٣٧٦). وفي ش: "المقنع"، تصحيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>