للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لمسبَّباتها، فاسم "السَّميع البصير" يقتضي مسموعًا ومبصرًا، واسم "الرَّزَّاق" يقتضي مرزوقًا، واسم "الرَّحيم" يقتضي مرحومًا، وكذلك اسم "الغفور"، و"العفوِّ"، و"التَّوَّاب"، و"الحليم" يقتضي مَن يغفر له، ويتوبُ عليه، ويعفو عنه، ويحلم عنه. ويستحيل تعطيلُ هذه الأسماء والصِّفات، إذ هي أسماءٌ حسنى وصفاتُ كمالٍ، ونعوتُ جلالٍ، وأفعالُ حكمةٍ وإحسانٍ وجودٍ، فلا بدَّ من ظهور آثارها في العالم. وقد أشار إلى هذا أعلَمُ الخلقِ بالله صلوات الله وسلامه عليه، حيث يقول: "لو لم تُذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقومٍ يُذنبون، ثمّ يستغفرون، فيغفر لهم" (١).

وأنت إذا فرضت الحيوانَ بجملته معدومًا، فلِمَن يرزق الرَّزَّاقُ (٢) سبحانه؟ وإذا فرضتَ المعصية والخطيئة منتفيةً من العالم، فلمن يغفر؟ وعمّن يعفو؟ وعلى من يتوبُ ويحلُم؟ وإذا (٣) فرضتَ الفاقاتِ كلَّها قد سُدَّت، والعبيدُ أغنياءُ معافَون، فأين السُّؤال والتّضرُّع والابتهال، والإجابة وشهود الفضل والمنّة، والتّخصيص بالإنعام والإكرام؟

فسبحان من تعرَّف إلى خلقه بجميع التَّعرُّفات (٤)، ودلَّهم عليه بأنواع الدِّلالات، وفتَح لهم إليه جميعَ الطُّرقات، ثمّ نصَب إليه الصِّراطَ المستقيمَ،


(١) أخرجه مسلم (٢٧٤٩) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٢) ع: "الرازق"، وكذا كان في الأصل فأصلح.
(٣) ش: "فإذا".
(٤) ع: "بجميع أنواع التعرفات". وفي ج: "الصفات" بدلًا من "التعرفات". وفي غيرهما: "التصرفات". وكلاهما تحريف. وقد سبق مثله في منزلة "البصيرة" (ص ١٩٢) وسيأتي (٢/ ١٦). وانظر: "مفتاح دار السعادة" (٢/ ٥٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>