للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مساكينُ أهلُ الحبِّ حتّى قبورُهم ... عليها ترابُ الذُّلِّ بينَ المقابرِ (١)

المرتبة الرّابعة: ذلُّ المعصية والجناية.

فإذا اجتمعت هذه المراتبُ الأربعُ كان الذُّلُّ لله والخضوعُ له أكملَ وأتمَّ، إذ يذلُّ له خوفًا وخشيةً، ومحبّةً وإنابةً وطاعةً، وفقرًا وفاقةً.

وحقيقة ذلك هو الفقر الذي يشير إليه القوم. وهذا المعنى أجلُّ من أن يسمّى بالفقر، بل هو لبُّ العبوديّة وسرُّها. وحصولُه أنفع شيءٍ للعبد، وأحبُّ شيءٍ إلى الله. فلا بدَّ من تقدير لوازمه من أسباب الضَّعف والحاجة، وأسباب العبوديَّة والطَّاعة، وأسباب المحبَّة والإنابة، وأسباب المعصية والمخالفة؛ إذ وجودُ الملزوم بدون لازمه ممتنعٌ. والفائتُ من تقدير عدمِ هذا الملزومِ ولازمِه، مصلحةُ وجوده (٢) خيرٌ من مصلحة فوته، ومفسدةُ فوته أكثرُ من مفسدة وجوده. والحكمةُ مبناها على دفعِ أعظمِ المفسدتين باحتمال أدناهما، وتحصيلِ أعظمِ المصلحتين بتفويت أدناهما. وقد فُتِح لك الباب، فإن كنتَ من أهل المعرفة فادخل، وإلّا فرُدَّ البابَ وارجِعْ بسلامٍ!

ومنها: أنّ أسماءه الحسنى تقتضي آثارها اقتضاءَ الأسباب التَّامَّةِ


(١) البيت دون عزو في "الكشف والبيان" للثعلبي (٥/ ٥٨)، و"حماسة الظرفاء" (٢/ ١٠)، و"مصارع العشاق" (١/ ١٣٠). وهو في الديوان المنسوب إلى علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - (ص ٥٢ - الهند سنة ١٢٩٣) بلفظ "أهل الفقر". وأنشده المؤلف في "روضة المحبين" (ص ٢٧٢، ٣٩٥)، و"المفتاح" (١/ ٦٦) أيضًا، وأنشد مع البيتين أبياتًا أخرى في هذا المعنى.
(٢) يعني: وجود الفائت. و"الفائتُ" مبتدأ أول، و"مصلحة" مبتدأ ثان.

<<  <  ج: ص:  >  >>