للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تجوز الصلاة معها، لأنّ المشركين كانوا لا يتطهَّرون ولا يُطهِّرون ثيابهم. وقال طاوس: وثيابك فقصِّر (١)، لأنَّ تقصير الثِّياب طُهرة لها (٢).

والقول الأوَّل أصحُّ الأقوال.

ولا ريب أنّ تطهيرها من النجاسات وتقصيرها من جملة التطهير المأمور به، إذ به تمام إصلاح الأعمال والأخلاق، لأنَّ نجاسة الظاهر تورث نجاسة الباطن، ولذلك أُمر القائم بين يدي الله بإزالتها والبعد عنها.

والمقصود: أنَّ الورع يطهِّر دنس القلب ونجاسته، كما يطهِّر الماء دنس الثوب ونجاسته. وبين الثِّياب والقلوب مناسبةٌ ظاهرةٌ وباطنةٌ، ولذلك تدلُّ ثياب المرء في المنام على قلبه وحاله. ويؤثِّر كلٌّ منهما في الآخر، ولهذا نُهي عن لباس الحرير والذهب وجلود السِّباع لِما تؤثِّر في القلب من الهيئة المنافية للعبوديَّة والخشوع. وتأثير القلب والنفس في الثياب أمرٌ خفيٌّ يعرفه أهل البصائر من نظافتها ودنسها ورائحتها وبهجتها وكَسْفتها، حتى إنَّ ثوب البَرِّ ليُعرَف من ثوب الفاجر وليسا عليهما.

وقد جمع النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الورع كلَّه في كلمةٍ واحدةٍ فقال: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» (٣)، فهذا يعمُّ الترك لِما لا يعني من الكلام والنظر


(١) المراد بالتقصير هنا: تحوير الثياب وتبييضها، وذلك بدقِّها بالقَصَرة، وهي القطعة من الخشب.
(٢) الأقوال السابقة كلها من «تفسير البغوي» (٨/ ٢٦٤ - ٢٦٥). وانظر: «تفسير الطبري» (٢٣/ ٤٠٥ - ٤٠٩) و «الدر المنثور» (١٥/ ٦٣ - ٦٧).
(٣) أخرجه الترمذي (٢٣١٧) وابن ماجه (٣٩٧٦) وابن حبان (٢٢٩) من رواية قرة بن عبد الرحمن عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة. وقرّة ضعيف، وقد خالفه معمر في «جامعه» (٢٠٦١٧) ومالك في «الموطأ» (٢٦٢٨) ــ ومن طريقه أخرجه الترمذي (٢٣١٨) ــ فروياه عن الزهري عن علي بن الحسين (زين العابدين) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلًا. قال الترمذي: «وهذا عندنا أصح من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة». وكذا صحَّح المرسلَ البخاريُّ في «التاريخ الكبير» (٤/ ٢٢٠) والدارقطني في «العلل» (٣١٠، ١٣٨٩، ٣٠٢٤، ٣١٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>