للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمعنى الثاني: أن يكون مرادُه إقامةَ أعذارهم في إساءتهم إليك وجنايتهم عليك، والنّظرَ في ذلك إلى الأقدار، وأنّ أفعالهم بمنزلة حركات الأشجار، فتعذِرَهم بالقَدَر في حقِّك، لا في حقِّ ربِّك. فهذا حقٌّ، وهو (١) من شأن سادات العارفين وخواصِّ أولياء الله الكمَّل، يفنى أحدهم عن حقِّه، ويستوفي حقَّ ربِّه. ينظر في التّفريط في حقِّه والجناية عليه إلى القدَر، وينظر في حقِّ الله إلى الأمر، فيطلب لهم العذرَ في حقِّه، ويمحو عنهم العذرَ ويُبطله في حقِّ الله.

وهذه كانت حال نبيِّنا - صلى الله عليه وسلم -، كما قالت عائشة - رضي الله عنها -: ما انتقم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنفسه قطُّ، ولا نيل منه شيءٌ فانتقم لنفسه، إلّا أن تُنتهَك محارمُ الله. فإذا انتُهِكَتْ محارمُ الله لم يقُمْ لغضبه شيءٌ، حتّى ينتقم لله (٢).

وقالت عائشة - رضي الله عنها - أيضًا: ما ضرَبَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بيده خادمًا ولا دابّةً ولا شيئًا قطُّ، إلّا أن يُجاهِدَ في سبيل الله (٣).

وقال أنسٌ - رضي الله عنه -: خدمتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرَ سنين، فما قال لي لشيءٍ صنعتُه: لم صنعتَه؟ ولا لشيءٍ لم أصنعه: لِمَ لَمْ تصنَعْه؟ وكان إذا عاتبني بعض أهله يقول: "دعوه، فلو قُضِي شيءٌ لكان" (٤).


(١) ما عدا ع: "هو" دون الواو قبلها.
(٢) أخرجه البخاري (٣٥٦٠) ومسلم (٢٣٢٧).
(٣) رواه مسلم (٢٣٢٨).
(٤) أخرجه البخاري (٢٧٦٨) ومسلم (٢٣٠٩) إلا قوله: "وكان إذا عاتبني ... " إلخ، فقد أخرجه عبد الرزاق (١٧٩٤٧) وأحمد (١٣٤١٨، ١٣٤١٩) والعقيلي في "الضعفاء" (٤/ ٣٦٨) وابن أبي عاصم في "السنة" (٣٦٢، ٣٦٤) وابن حبان (٧١٧٩) وأبو نعيم في "الحلية" (٦/ ١٧٩، ٧/ ١٢٤) والبيهقي في "شعب الإيمان" (٧٧١٤) وفي "القضاء والقدر" (٢١٢) والضياء في "المختارة" (٥/ ٢٠٥ - ٢٠٦) من طرق كلُّها ضعيفة أو معلولة. قال العقيلي: وهذا يُروَى عن أنس بأسانيد لينة.

<<  <  ج: ص:  >  >>