للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيها من العقبات والمفاوز ما فيها، وإنَّما عقبتُها همَّة عالية ونفس زكيَّة، وتوطين للنفس على كلِّ ما يَرِد عليها من الله. ويسهِّل ذلك على العبد علمُه بضعفه وعجزه، ورحمةِ ربه وشفقتِه عليه وبرِّه به. فإذا شهد هذا وهذا، ولم يطرح نفسه بين يديه، ويرضى به وعنه، وتنجذب دواعي حبِّه ورضاه كلُّها إليه= فنفسه نفسٌ مطرودةٌ عن الله بعيدةٌ عنه، ليست مؤهَّلةً لقربه وموالاته، أو نفسٌ ممتحَنةٌ مبتلاةٌ بأصناف البلايا والمحن.

فطريق الرِّضا والمحبَّة تُسيِّر العبدَ وهو مستلقٍ على فراشه، فيصبح أمام الرّكب بمراحل.

وثمرة الرِّضا: الفرح والسُّرور بالربِّ تبارك وتعالى. ورأيت شيخ الإسلام ابن تيمية ــ قدَّس الله روحه ــ في المنام، وكأنِّي ذكرت له شيئًا من أعمال القلب وأخذت في تعظيمه ومنفعته، لا أذكره الآن، فقال: أمَّا أنا فطريقتي: الفرحُ بالله والسُّرور به، أو نحو هذا من العبارة. وهكذا كانت حاله في الحياة، يبدو ذلك على ظاهره وينادي به عليه حالُه.

لكن قد قال الواسطيٌّ - رحمه الله -: استعمل الرِّضا جهدك، ولا تدع الرِّضا يستعملك، فتكونَ محجوبًا بلذَّته ورؤيته عن حقيقة ما تطالع (١).

وهذا الذي أشار إليه الواسطيُّ هو عقبةٌ عظيمة عند القوم ومقطعٌ لهم؛ فإنَّ مساكنة الأحوال، والسُّكون إليها، والوقوف عندها استلذاذًا ومحبَّةً= حجابٌ بينهم وبين ربِّهم بحظوظهم عن مطالعة حقوق محبوبهم ومعبودهم، وهي عقبةٌ لا يجوزها إلَّا أولو العزائم. وكان الواسطيُّ كثير التحذير من هذه


(١) «اللمع» (ص ٥٤) و «القشيرية» (ص ٤٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>