للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى غير الله أخذ ذلك الالتفات شعبةً من شعب قلبه، فنقص من توكُّله على الله بقدر ذهاب تلك الشُّعبة، ومن هاهنا ظنَّ من ظنَّ أنَّ التوكُّل لا يصحُّ إلا برفض الأسباب. وهذا حق، لكن رفضها عن القلب أو (١) عن الجوارح؟ فالتوكُّل لا يتمُّ إلا برفض الأسباب عن القلب وتعلُّق الجوارح بها، فيكون منقطعًا منها متصلًا بها.

فصل

الدرجة الرابعة: اعتماد القلب على الله واستناده إليه وسكونه إليه، بحيث لا يبقى فيه اضطراب من تشويش الأسباب، ولا سكونٌ إليها، بل يخلع السُّكون إليها من قلبه، ويلبس السُّكون إلى مسبِّبها.

وعلامة هذا أنَّه لا يبالي بإقبالها وإدبارها، ولا يضطرب قلبه ويخفق عند إدبار ما يحبُّ منها وإقبالِ ما يكره، لأنَّ اعتمادَه على الله وسكونَه إليه واستنادَه إليه قد حصَّنه مِن خوفها ورجائها. فحاله حال من خرج عليه عدوٌّ عظيمٌ لا طاقة له به، فرأى حصنًا مفتوحًا، فأدخله ربُّه إليه، وأغلق عليه باب الحصن، فهو يشاهد عدوَّه خارج الحصن، فاضطرابُ قلبه وخوفُه منهم في هذه الحال لا معنى له.

وكذلك من أعطاه ملِكٌ درهمًا، فسُرق منه، فقال له الملك: عندي أضعافه، لا تهتمَّ، متى جئت إليَّ أعطيتك من خزائني أضعافه. فإذا علم صحَّة قول الملك، ووثق به، واطمأنَّ إليه، وعلم أنَّ خزائنه مليَّة (٢) بذلك = لم


(١) كذا في النسخ. وفي المطبوعات: «لا».
(٢) كذا مضبوطًا على لغة التسهيل في ن, ع. وفي ش, ج: «مليئة». وهو محتمل في الأصل، ل.

<<  <  ج: ص:  >  >>