وهذا تأويل ابنِ عبّاسٍ وعامَّةِ أصحابه في قوله تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}[المائدة: ٤٤]. قال ابن عبَّاسٍ: ليس بكفرٍ ينقل عن الملَّة، بل إذا فعَلَه فهو به كفرٌ؛ وليس كمن كفَر بالله واليوم الآخر (١). وكذلك قال طاوسٌ.
وقال عطاءٌ: هو كفرٌ دون كفرٍ، وظلمٌ دون ظلمٍ، وفسقٌ دون فسقٍ.
ومنهم من تأوَّلَ الآية على ترك الحكم بما أنزل الله جاحدًا له، وهو قول عكرمة. وهو تأويلٌ مرجوحٌ، فإنَّ نفسَ جحوده كفرٌ، سواءٌ حكَم أو لم يحكُم.
ومنهم من تأوَّلَها على ترك الحكم بجميع ما أنزل الله. قال: ويدخل في ذلك الحكمُ بالتَّوحيد والإسلام. وهذا تأويل عبد العزيز الكِنانيِّ. وهو أيضًا بعيدٌ، إذ الوعيد على نفي الحكم بالمنزَّل، وهو يتناول تعطيلَ الحكم بجميعه وببعضه.
ومنهم من تأوَّلَها على الحكم بمخالفة النّصِّ تعمُّدًا من غير جهلٍ به ولا خطأٍ في التّأويل. حكاه البغويُّ عن العلماء عمومًا.
ومنهم من تأوَّلَها على أهل الكتاب. وهو قول قتادة والضّحاك وغيرهما. وهو بعيدٌ خلافُ ظاهر اللَّفظ، فلا يصار إليه.
ومنهم من جعله كفرًا ينقُل عن الملَّة.
والصَّحيحُ: أنَّ الحكم بغير ما أنزل الله يتناول الكفرين: الأصغرَ
(١) هذا القول والأقوال الآتية منقولة من "تفسير البغوي" (٣/ ٦١).