للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

قال (١): (الدرجة الثانية: الشُّكر في المكاره، وهذا ممَّن تستوي عنده الحالات: إظهارًا (٢) للرِّضا، وممَّن يميِّز (٣) بين الأحوال: كظم الغيظ والشكوى، ورعاية الأدب، وسلوك مسلك العلم. وهذا الشاكر أوَّل من يُدعى إلى الجنَّة).

يعني أن الشُّكر على المكاره أشدُّ وأصعب من الشُّكر على المحابِّ، ولهذا كان فوقه في الدرجة. ولا يكون إلَّا من أحد رجلين:

إمّا رجلٌ لا يميِّز بين الحالات، بل يستوي عنده المكروه والمحبوب، فشكر هذا إظهارٌ منه للرِّضا بما نزل به. وهذا مقام الرِّضا.

الرجل الثاني: من يميِّز بين الأحوال، فهو لا يحبُّ المكروه، ولا يرضى بنزوله به، فإذا نزل به مكروهٌ شكر الله تعالى عليه، فكان شكره كظمًا للغيظ الذي أصابه وسترًا للشكوى، رعايةً (٤) منه للأدب وسلوكًا لمسلك العلم، فإنَّ العلم والأدب يأمران بشكر الله على السرَّاء والضرَّاء. فهو يسلك بهذا الشُّكر مسلك العلم، لا أنَّه شاكرٌ لله شكرَ من رضي بقضائه كحال الذي قبله، فالذي قبله أرفع منه.

وإنَّما كان هذا الشّاكر أوَّل من يدعى إلى الجنّة لأنّه قابَلَ المكاره التي


(١) «المنازل» (ص ٤٢).
(٢) ع: «إظهارٌ»، وهو أقرب إلى لفظ «المنازل».
(٣) ل، ع: «لا يميِّز»، وكذا زاد بعضهم «لا» في الأصل فوق السطر، وهو خطأ.
(٤) ع: «ورعايةً».

<<  <  ج: ص:  >  >>