للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من القوم على أنّ الذّائق أخصُّ من الواجد، فكأنّه شاركَ الواجدَ في الحصول وامتاز عنه بالذّوق، فإنّه قد يجدُ الشّيء ولا يذوقُه الذّوقَ التّامّ.

وهذا ليس كما قالوه، بل وجود هذه الحقائق للقلب ذوقٌ لها وزيادةُ ثبوتٍ واستقرارٍ. والله أعلم.

فصل

قال (١): (وهو على ثلاث درجاتٍ. الدّرجة الأولى: ذوق التّصديق طعمَ العِدَةِ. فلا يَعقِله ظنٌّ (٢)، ولا يَقطَعه أملٌ، ولا تعوقُه أُمنيةٌ).

يريد: أنّ العبد المصدِّق إذا ذاق طعم الوعد من الله على إيمانه وتصديقه وطاعته ثبت على حكم الوعد واستقام.

(فلم يَعقِلْه ظنٌّ) أي لم يحبسه ظنٌّ، تقول: عَقلتُ فلانًا عن كذا، أي عُقْتُه عنه وصَددتُه. ومنه عِقالُ البعير، لأنّه يحبسه عن الشُّرود. ومنه العقل، لأنّه يحبس صاحبَه عن فعل ما لا يحسن ولا يجمل. ومنه: عقلتُ الكلام وعقلتُ معناه: إذا حبستَه في صدرك وحصَّلتَه في قلبك، بعد أن لم يكن حاصلًا عندك. ومنه: العَقْل للدِّية، لأنّها تمنع آخِذَها من العدوان على الجاني وعَصَبته.

والمقصود: أنّ ذوق طعم الإيمان بوعد الله يمنع الذّائقَ أن يحبسه ظنٌّ عن الجدِّ في الطّلب، والسّيرِ إلى ربِّه. والظّنُّ هو الوقوف عن الجزم بصحّة الوعد والوعيد، بحيث لا يترجّح عنده جانبُ التّصديق.


(١) «المنازل» (ص ٨٠).
(٢) في «المنازل»: «ضن».

<<  <  ج: ص:  >  >>