للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكأنّ الشّيخ يقول: الذّائق بالتّصديق طعمَ الوعد لا يعارضُه ظنٌّ يعقله عن صدق الطّلب، وتَحبِسُه (١) عزيمتُه عن الجدِّ فيه. وفي حديث سيِّد الاستغفار قوله: «وأَنا على عهدِك ووعْدِك ما استطعتُ» (٢)، أي مقيمٌ على التّصديق بوعدك، وعلى القيام بعهدك، بحسب استطاعتي.

والحامل على هذه الإقامة والثّبات: ذوقُ طعم الإيمان، ومباشرته للقلب. ولو كان الإيمان مجازًا لا حقيقةً لم يثبت القلب على حكم الوعد والوفاء بالعهد، ولا يُقيمُه (٣) في هذا المقام إلّا ذوقُ طعم الإيمان. وثوبُ العارية لا يُجمِّل صاحبَه، ولا سيّما إذا عرف النّاس أنّه ليس له، وأنّه عاريةٌ عليه، كما قيل (٤):

ثوبُ الرِّياء يَشِفُّ عمّا تحتَه ... فإذا اشتملتَ به فإنّك عارِي

وكان بعضُ الصّحابة يُكثِر التّلبية في إحرامه، ثمّ يقول: لبّيك، لو كان رياءً لاضمحلَّ (٥).

وقد نفى (٦) الله تعالى الإيمان عمّن ادَّعاه وليس له فيه ذوقٌ، فقال


(١) أي: ولا تحبسه، عطفًا على الفعل «يعارضُه».
(٢) أخرجه البخاري (٦٣٠٦، ٦٣٢٣) من حديث شدَّاد بن أوس - رضي الله عنه -.
(٣) ت: «تقرر».
(٤) البيت لأبي الحسن التهامي من قصيدته الرائية المشهورة في «ديوانه» (ص ١٥٨) التي أولها:
حكم المنية في البرية جَارِ ... ما هذه الدنيا بدار قرارِ
(٥) أخرجه أحمد في «الزهد» (١١٥٤) عن عبد الرحمن بن أبي نُعْم، وهو تابعي. وانظر: «حلية الأولياء» (٥/ ٧٠)، و «سير أعلام النبلاء» (٥/ ٦٣).
(٦) ش، د: «ينفي».

<<  <  ج: ص:  >  >>