للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حقوقه، وتصفيةَ أعماله وأحواله؟ فالعارف يَغار لله، والجاهل يَغار على الله. فلا يقال: أنا أَغارُ على الله، ولكن أنا أَغار لله.

وغيرة العبد من نفسه: أهمُّ من غيرته من غيره، فإنّك إذا غِرْتَ من نفسك صحَّتْ لك غيرتك لله من غيرك، وإذا غِرْتَ له من غيرك ولم تَغَرْ من نفسِك فالغيرة مدخولةٌ معلولةٌ ولا بدَّ. فتأمّلْها وحَقِّق النّظرَ فيها.

فليتأمّل السّالك اللّبيب هذه الكلمات في هذا المقام، الذي زلَّتْ فيه أقدام كثيرٍ من السّالكين. والله الهادي الموفِّق المثبِّت.

كما حكي عن واحدٍ أنّه قال: لا أستريح حتّى لا أرى من يذكر الله (١). يعني غيرةً عليه من أهل الغفلة وذكرِهم.

والعجب أنّ هذا يُعَدُّ من مناقبه ومحاسنه، وغاية هذا: أن يُعذَر فيه لكونه مغلوبًا على عقله، وهو من أقبح الشّطحات. وذِكرُ الله على الغفلة وعلى كلِّ حالٍ خيرٌ من نسيانه بالكلِّيّة، والألسُن متى تركتْ ذكر الله الذي هو محبوبه اشتغلتْ بذكر ما يُبغِضه ويَمْقُت عليه. فأيُّ راحةٍ للعارف في هذا؟ وهل هو إلّا أشقُّ شيءٍ عليه وأكرهه إليه؟

وقولٌ آخر: لا أحبُّ أن أرى الله ولا أنظر إليه. فقيل له: كيف؟ قال: غيرةً عليه من نظرٍ (٢) إليه (٣).


(١) حكاه القشيري عن الشبلي في «الرسالة القشيرية» (ص ٥٤٨). وانتقده شيخ الإسلام في «الاستقامة» (٢/ ٢٦).
(٢) د: «نظري». ت: «نظر مثلي إليه».
(٣) «الرسالة القشيرية» (ص ٥٤٨). وانتقده شيخ الإسلام في «الاستقامة» (٢/ ٦٢ وما بعدها)، والمؤلف في «روضة المحبين» (ص ٤٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>