للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فانظر إلى هذه الغيرة القبيحة، الدّالّة على جَهْل صاحبها، مع أنّه في خَفارة ذلِّه وتواضعه وانكساره واحتقاره لنفسه.

ومن هذا ما (١) يُحكى عن الشِّبليِّ - رحمه الله -: أنّه لمّا مات ابنه دخلَ الحمّام ونوَّرَ (٢) لحيتَه، حتّى أذهب شَعرَها كلّه. فكلُّ من أتاه معزِّيًا قال: أيشٍ هذا يا أبا بكرٍ؟ قال: وافقتُ أهلي في قَطْع شعورهم. فقال له بعض أصحابه: أخبرني لمَ فعلتَ هذا؟ فقال: علمتُ أنّهم يُعزُّونني على الغفلة ويقولون: آجَرَك الله، ففديتُ ذِكرَهم لله بالغفلة بلحيتي (٣).

فانظُرْ إلى هذه الغيرة المحرّمة القبيحة، التي تضمّنتْ أنواعًا من المحرّمات: حلق الشَّعر عند المصيبة، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ليس منّا من حلقَ وسَلقَ وخرقَ» (٤). أي حلق شعرَه، ورفع صوتَه بالنّدب والنِّياحة، وخرقَ ثيابه.

ومنها: حلق اللِّحية، وقد أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإعفائها وتوفيرها.

ومنها: منعُ إخوانه من تعزيته ونيلِ ثوابها.

ومنها: كراهيته (٥) لجريان ذكرِ اسمِ الله على ألسنتهم بالغفلة. وذلك خيرٌ بلا شكٍّ من ترْكِ ذكره.


(١) «ما» ليست في د.
(٢) أي طلاه بالنُّورة، وهي حجر يحرق ويُسوّى منه الكلس، ويُحلق به الشعر.
(٣) «الرسالة القشيرية» (ص ٥٥١).
(٤) أخرجه مسلم (١٠٤) من حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -.
(٥) ت: «كراهته».

<<  <  ج: ص:  >  >>