الصانع، ومن الدليل إلى المدلول، فينتقل إليه بسرعةٍ ولطفِ إدراكٍ، فينتقل ذهنه من الملزوم إلى لازمه، قال تعالى:{فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ}[الحشر: ٢]. و (الاعتبار) افتعالٌ من العبور، وهو عبور القلب من الملزوم إلى لازمه، ومن النظير إلى نظيره.
وهذا الاعتبار يضعف ويقوى، حتَّى يستدلَّ صاحبُه بصفات الرب تعالى وكمالِه على ما يفعله، لحسن اعتباره وصحَّة نظره. وهذا اعتبار الخواصِّ واستدلالهم، فإنَّهم يستدلُّون بالله وأسمائه وصفاته على أفعاله، وأنَّه يفعل كذا ولا يفعل كذا (١)، فيفعل ما هو موجَب حكمته وعلمه وغِناه وحمده، ولا يفعل ما يناقض ذلك.
وقد ذكر سبحانه هذين الطريقين في كتابه، فقال في الطريق الأولى:{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}، ثمَّ قال في الطريق الثانية:{أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}[فصلت: ٥٣]، فمخلوقاته دالَّةٌ على ذاته وأسمائه وصفاته، وأسماؤه وصفاته دالَّةٌ على ما يفعله ويأمر به، وما لا يفعله ولا يأمر به.
مثال ذلك: أنَّ اسمه «الحميد» ــ سبحانه ــ يدلُّ على أنَّه لا يأمر بالفحشاء والمنكر، واسمه «الحكيم» يدلُّ على أنَّه لا يخلق شيئًا عبثًا، واسمه «الغني» يدلُّ على أنَّه لم يتَّخذ صاحبةً ولا ولدًا، واسمه «المَلِك» يدلُّ على ما يستلزم حقيقة ملكه مِن: قدرته، وتدبيره، وعطائه ومنعه، وثوابه وعقابه، وبثِّ رسله في أقطار مملكته، وإعلامِ عبيده بمراسيمه وعهوده إليهم، واستوائه على