للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيتفكَّرون في (١) الآيات التي يُبيِّنها (٢) لهم، فيستدلُّون بها على توحيده، وصفاتِ كماله، وصدق رسله، والعلم بلقائه، ويتفكَّرون في الدُّنيا وانقضائها واضمحلالها ودناءتها (٣)، والآخرةِ ودوامها وبقائها وشرفها. وقولِه: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: ٢١].

فالفكر الصحيح المؤيَّد بحياة القلب ونور البصيرة يدلُّ على إثبات صفات الكمال ونعوت الجلال. وأمَّا فكرٌ مصحوبٌ بموت القلب وعمى البصيرة، فإنَّما يُعطي صاحبه نفيَها وتعطيلَها.

قوله: (وحياةِ القلب بحسن النظر بين التعظيم وحسن الاعتبار)، يعني: أنَّه ينضاف إلى نور البصيرة وطيب حياة العقل: حياةُ القلب بحسن النظر الدائرِ بين تعظيم الخالق ــ جلَّ جلاله ــ وحسنِ الاعتبار بمصنوعاته الدالَّة عليه، فلا بدَّ من الأمرين، فإنَّه إن غفل بالتعظيم عن حسن الاعتبار لم يحصل له الاستدلال على الصِّفات، وإن حصل له الاعتبار من غير تعظيمٍ للخالق سبحانه لم يستفد به إثباتَ الصِّفات، فإذا اجتمع له تعظيمُ الخالق وحسنُ النظر في صنعه أثمرا (٤) له إثباتَ صفات كماله ولا بدَّ.

و (الاعتبار) هو أن يعبُر نظرُه من الأثر إلى المؤثِّر، ومن الصَّنعة إلى


(١) من قوله تعالى: {خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} إلى هنا ساقط من ر لانتقال النظر.
(٢) ت: «بيَّنها».
(٣) ت: «ذهابها». ر: «آفاتها». والمثبت أصحُّ لأنه سيأتي في مقابله في وصف الآخرة: «وشرفها».
(٤) ت، ر: «أثمر».

<<  <  ج: ص:  >  >>