للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن أريد به التَّوحيدُ الذي هو صفةُ العبد وفعلُه لم يطابق قولَه: (اختصَّه الرَّبُّ لنفسه، واستحقَّه بقدره)، ولا يطابق القوافي الثّلاثة التي أجاب بها الشّيخ عنه، وأنَّ توحيدَه نفسَه هو التَّوحيدُ لا غيره.

وأيضًا: فصفةُ العبد وفعلُه لا يُعجَز عن بثِّها، ولا يُخْرَس عن النُّطق بها. وكلُّ ما قام بالعبد فإنّه يمكنه التّعبير عنه وكشفه وبيانه.

فإن قيل: المراد بذلك أنَّ الرَّبَّ تعالى في الحقيقة هو الموحِّد لنفسه في قلوب صفوته، لا أنّهم هم الموحِّدون. ولهذا قال الشّيخ (١): (والذي يشار إليه على ألسن المشيرين أنّه إسقاطُ الحدث وإثباتُ القِدَم) وعليه أنشد هذه القوافي الثّلاثة (٢):

ما وحَّد الواحدَ من واحدٍ ... إذ كلُّ من وحَّده جاحدُ

توحيدُ من ينطق عن نعته ... عاريةٌ أبطلها الواحدُ

توحيدُه إيّاه توحيدُه ... ونعتُ من ينعته لاحدُ

فقوله: (ما وحَّد الواحدَ من واحدٍ)، يعني: ما وحَّد الله عزّ وجلّ أحدٌ سواه، وكلُّ من وحَّدَه فهو جاحدٌ لحقيقة توحيده، فإنَّ توحيدَه يتضمَّن شهودَ ذات الموحِّد وفعلِه وما قام به من التوحيد، وشهودَ ذات الواحد وانفراده، وتلك اثنينيّةٌ ظاهرةٌ؛ بخلاف توحيده لنفسه، فإنّه يكون هو الموحِّدَ والموحَّدَ، والتَّوحيدُ صفتُه وكلامُه القائمُ به، فما ثمَّ غيرُه، فلا اثنينيّة ولا تعدُّد (٣).


(١) «منازل السائرين» (ص ١١٢).
(٢) بعده في ش، د زيادة: «وهي».
(٣) ت: «تفرد»، تحريف.

<<  <  ج: ص:  >  >>