للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ممكنٍ. ويحتمل أن يريد به: أنّه حال بينهم وبين نعته، لعجز السَّامع عن فهمه، فيكون نعتُه ممكنًا، لكنَّ الحقَّ أسكتهم عنه غيرةً عليه وصيانةً له.

وقوله: (وأعجزهم عن بثِّه)، أي لم يُقْدِرْهم على الإخبار عنه.

فيقال: أفضَلُ صفوة الرَّبِّ تعالى: الأنبياء، وأفضلُهم: الرُّسل، وأفضلُهم: أولو العزم، وأفضلُهم: الخليلان. والّذي ألاحه الله إلى أسرارهم من ذلك هو أكملُ توحيدٍ عرفه العباد، ولا أكملَ منه، وليس وراءه إلّا الشّطح والدّعاوي والوساوس. وهم ــ صلوات الله وسلامه عليهم ــ قد تكلَّموا بالتَّوحيد ونعتوه وبيَّنوه وأوضحوه وقرَّروه، بحيث صار في حيِّز التّجلِّي والظُّهور والبيان. فعقلته القلوب، وحصَّلته الأفئدة، ونطقت به الألسن (١)، وأوضحته الشَّواهد، وقامت عليه البراهين، ونادت عليه الدّلائل. ولا يمكن أحدًا أن ينقل عن نبيٍّ من الأنبياء ولا وارثِ نبيٍّ داعٍ إلى ما دعا إليه أنّه يعلم توحيدًا لا يمكنه النُّطق به، وأنَّ الله سبحانه أخرسه عن نطقه وأعجزه عن بثِّه. بل كلُّ ما علمه القلب أمكن التَّعبيرُ عنه، وإن اختلفت العبارة عنه ظهورًا وخفاءً وبين ذلك. وقد لا يفهمه إلّا بعضُ النّاس، فالنّاسُ كلُّهم لم تتّفق أفهامهم لما جاءت به الرُّسل.

وكيف يقال: إنَّ أعرفَ الخلق وأفصحَهم وأنصحَهم عاجزٌ عن (٢) أن يبيِّن ما عرَّفه الله من توحيده، وأنّه عاجزٌ عن بثِّه؟ فما هذا التَّوحيدُ الذي عجزت الأنبياء والرُّسل عن بثِّه، ومُنِعوا من النُّطق به، وعرفه غيرُهم؟

هذا كلُّه إن أريد بهذا التَّوحيدِ التَّوحيدُ القائم بذات الحقِّ تعالى لنفسه.


(١) ش، د: «الألسنة».
(٢) لم يرد حرف «عن» في ت.

<<  <  ج: ص:  >  >>