للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

قوله: (ومن الحظوظ إلى التجريد)، يريد الفرار من حظوظ النُّفوس (١) على اختلاف مراتبها، فإنَّه لا يعرفها إلا المعتنون بمعرفة الله ومراده وحقِّه على عبده، ومعرفةِ نفوسهم وأعمالهم وآفاتهما (٢). ورُبَّ مطالبَ عاليةٍ لقومٍ من العباد هي حظوظٌ لقومٍ آخرين يستغفرون الله منها ويفرُّون إليه منها، يرونها حائلةً بينهم وبين مطلوبهم.

وبالجملة فالحظُّ: ما سوى مراد الله الدينيِّ منك، كائنًا ما كان، وهو ما بين حظٍّ محرَّمٍ إلى مكروهٍ إلى مباحٍ إلى مستحبٍّ غيرُه أحبُّ إلى الله منه. ولا يتميَّز هذا إلا في مقام الرُّسوخ في العلم بالله وأمره، وبالنفس وصفاتها وأحوالها، فهناك تتبيَّن له الحظوظ من الحقوق، ويفرُّ من الحظِّ إلى التجريد. وأكثر الناس لا يصلح لهم هذا، لأنَّهم إنّما يعبدون الله على الحظوظ وعلى مرادهم منه. وأمَّا تجريد عبادته على مراده من عبده:

فتلك منزلةٌ لم يعطَها أحدٌ ... سوى نبيٍّ وصدِّيقٍ من البشرِ

والزُّهد زهدك فيها ليس زهدك في ... ما قد أبيح لنا في محكم السُّورِ

والصِّدق صدقك في تجريدها وكذا الـ ... إخلاص تخليصها إن كنتَ ذا بصرِ

كذا توكُّل أرباب البصائر في ... تجريد أعمالهم من ذلك الكدرِ

كذاك توبتهم منها فهم أبدًا ... في توبةٍ أو يصيروا داخلَ الحُفَرِ (٣)


(١) ش: «النفس».
(٢) ش: «آفاتها».
(٣) الظاهر أن الأبيات من نظم المؤلف.

<<  <  ج: ص:  >  >>