للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السّادس: قوله تعالى: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} الآية [الفتح: ٢٦].

وكان شيخ الإسلام ابن تيميّة - رحمه الله - إذا اشتدّت عليه الأمور قرأ آياتِ السّكينة.

وسمعته يقول في واقعةٍ عظيمةٍ جرت له في مرضه، تَعجِز العقول والقُوى عن حملها ــ من محاربة أرواحٍ شيطانيّةٍ ظهرت له إذ ذاك في حال ضعف القوّة ــ قال: فلمّا اشتدّ عليّ الأمر قلت لأقاربي ومن حولي: اقرؤوا آيات السّكينة، قال: ثمّ أقلعَ عنِّي ذلك الحالُ، وجلستُ وما بي قَلَبةٌ (١).

وقد جرَّبتُ أنا قراءةَ هذه الآيات عند اضطراب القلب مما يرِد عليه، فرأيتُ لها تأثيرًا عظيمًا في سكونه وطُمأنينته.

وأصل السّكينة هي الطُّمأنينة والوقار، والسُّكون الذي يُنزِله الله في قلب عبده، عند اضطرابه من شدّة المخاوف، فلا ينزعج بعد ذلك لما يرِد (٢) عليه، ويوجب له زيادةَ الإيمان وقوّةَ اليقين والثّبات.

ولهذا أخبر سبحانه وتعالى عن إنزالها على رسوله وعلى المؤمنين في مواضع القلق والاضطراب. كيوم الهجرة، هو وصاحبه في الغار والعدوُّ فوق رؤوسهم، لو نظر أحدهم إلى ما تحت قدميه لرآهما. وكيوم حنينٍ، وَلَّوا مُدبِرين من شدّة بأس الكفّار، لا يَلْوِي أحدٌ على أحدٍ. وكيوم الحديبية حين اضطربتْ قلوبهم من تحكُّمِ الكفّار عليهم، ودخولِهم تحت شروطهم التي لا


(١) داء يأخذ في القلب، ويُسمَّى أيضًا القُلَاب.
(٢) «لما يرد» ليست في ش، د.

<<  <  ج: ص:  >  >>