للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فصل

ومن منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} منزلة «الوجد».

ثبت في «الصّحيحين» (١) من حديث أنسٍ - رضي الله عنه - عن النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنّه قال: «ثلاثٌ من كُنّ فيه وَجدَ بهنّ حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه ممّا سواهما (٢)، وأن يُحِبَّ المرءَ لا يحبُّه إلّا لله، وأن يكرهَ أن يعودَ في الكفر بعدَ أن أنقذَه الله منه، كما يكره أن يُقذَفَ في النّار».

وقد استشهد صاحب «المنازل» - رحمه الله - بقوله تعالى في أهل الكهف: {وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا} [الكهف: ١٤]. وهذا من أحسن الاستدلال والاستشهاد، فإنّ هؤلاء كانوا بين قومهم الكفّار في خدمة ملكهم الكافر، فما هو إلّا أن وجدوا حقيقةَ الإيمان والتوحيد، وذاقوا حلاوته، وباشَر قلوبَهم، فقاموا من بين قومهم، وقالوا: {رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الآية.

والرّبط على قلوبهم يتضمّن الشّدَّ عليها بالصّبر والتّثبيت، وتقويتَها وتأييدها بنور الإيمان، حتّى صبروا على هجران دار قومهم، ومفارقةِ ما كانوا فيه من خَفْضِ العيش، وفرُّوا بدينهم إلى الكهف.

والرّبط على القلب عكسُ الخِذلان، فالخذلان حلُّه من رِباط التّوفيق،


(١) البخاري (١٦)، ومسلم (٤٣).
(٢) ش: «سواه». والتصويب من هامشها.

<<  <  ج: ص:  >  >>