للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المحيطَ، ويشهد اكتسابَ العباد وما جرى به عليهم القدرُ من الطَّاعات والمعاصي، ويشهد حكمةَ الرَّبِّ تعالى وأمرَه ونهيَه وحبَّه وكراهتَه.

فصل

إذا عرفتَ هذه المقدِّمات فالجمعُ الصَّحيحُ الذي عليه أهلُ الاستقامة هو: جمعُ توحيد الرُّبوبيّة وجمعُ توحيد الإلهيّة.

فيشهد صاحبُه قيُّوميّةَ الرَّبِّ تعالى فوق عرشه يدبِّر أمرَ عباده وحده. فلا خالق ولا رازق، ولا معطي ولا مانع، ولا مميت ولا محيي، ولا مدبِّر لأمر المملكة ــ ظاهرًا وباطنًا ــ غيره. فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن. لا تتحرّك ذرّةٌ إلّا بإذنه، ولا يجري حادثٌ إلّا بمشيئته، ولا تسقط ورقةٌ إلّا بعلمه، ولا يعزُب عنه مثقالُ ذرّةٍ في السّماوات ولا في الأرض، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلّا (١) وقد أحصاها علمه، وأحاطت بها قدرته، ونفذت بها مشيئته، واقتضتها حكمته. فهذا جمعُ توحيد الرُّبوبيّة.

وأمّا جمعُ توحيد الإلهيّة، فهو: أن يجمع (٢) قلبَه وهمَّه وعزمَه وإرادتَه وحركاتِه على أداء حقِّه والقيامِ بعبوديّته، فتجتمع شؤونُ إرادته على مراده الدِّينيِّ الشّرعيِّ.

وهذان الجمعان هما حقيقةُ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}. فإنَّ العبدَ يشهد من قوله {إِيَّاكَ} الذّاتَ الجامعةَ لجميع صفات الكمال التي لها كلُّ الأسماء الحسنى، ثمّ يشهد من قوله: {نَعْبُدُ} جميعَ أنواع العبادة


(١) لم ترد «إلا» في ش، د.
(٢) ش، د: «يجتمع».

<<  <  ج: ص:  >  >>