للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المخلوقَ هو عينَ الوجود الخالق، والمأمورُ والمحظورُ سواءٌ، والمقدَّرُ كلُّه محبوبٌ مرضيٌّ له، أو أنَّ بعضَ الحادثات خارجٌ عن مشيئته وخلقه وتكوينه، أو أنّ أفعالَ عباده خارجةٌ عن إراداتهم ومشيئتهم (١) وقدرتهم، وليسوا هم الفاعلين لها= فإنَّ هذا الشُّهودَ كلَّه عمًى، وأصحابُه قد جمعوا بين ما فرَّق الله بينه، وفرَّقوا بين ما جمع الله (٢) بينه، ولم يهتدوا إلى الشُّهود الصّحيح الذي يميِّز به صاحبُه بين وجود الخالق ووجود المخلوق، وبين المأمور والمحظور وبين فعل الرّبِّ وفعل العبد، وبين ما يحبُّه ويبغضه.

وصاحبُ هذا الشُّهود لا يغيب بأفعال العباد عن فعل الرَّبِّ وقضائه وقدره، ولا يغيب بقضائه وقدره عن أمره ونهيه ومحبّته لبعضها وكراهته لبعضها، ولا يغيب بوجود الخالق عن وجود المخلوق، ولا برؤية الخلق عن ملاحظة الخالق؛ بل يضع الأمور مواضعها، فيشهد القدرَ العامَّ السَّابقَ الذي لا خروج لمخلوقٍ عنه، كما لا خروج له عن أن يكون مربوبًا فقيرًا بذاته، ويذمُّ العبادَ ويمدحُهم بما حرَّكهم به القدرُ من المعاصي والطّاعات؛ بخلاف صاحب الجمع بلا فرقٍ، فإنّه ربّما عذَر أربابَ الشِّرك والمعاصي لاستيلاء شهود الجمع على قلبه، ويقول: العارف لا ينكر منكرًا لاستبصاره بسرِّ الله في القدر، ولشهوده من الخلق موافقتَهم لما شاءه (٣) الله منهم (٤).

فالشَّاهدُ المبصرُ المتمكِّنُ يشهد القيُّوميَّةَ والقدرَ السَّابقَ الشَّاملَ


(١) «ومشيئتهم» ساقط من ش، د.
(٢) لفظ الجلالة من ت.
(٣) ت: «شاء».
(٤) تقدَّم هذا القول غير مرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>