للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

متفرِّقةً في رؤية أفعال الخلق، وتغيب بفعله عن أفعالهم. وربَّما غلب عليهم شهودُ ذلك حتّى أسقط عنهم المدحَ والذَّمَّ بالكلِّيّة.

وكلاهما منحرفٌ في شهوده.

والفريق الثّالث: يشهد الحكمَ والتَّدبيرَ العامَّ لكلِّ موجودٍ، ويشهد أفعالَ العباد ووقوعَها بإراداتهم ودواعيهم. فيكون صاحبَ جمعٍ وفرقٍ: فيجمع الأشياء في الحكم الكونيِّ القدريِّ، ويفرِّق بينها بالحكم الكونيِّ أيضًا كما فرَّق الله بينها، وبالدِّينيِّ الشّرعيِّ؛ فإنّ الله سبحانه فرَّق بينها خلقًا وأمرًا قدرًا وشرعًا، كونًا ودينًا.

فالشُّهودُ الصّحيحُ المطابقُ: أن يشهدها كذلك، فيكون صاحبَ جمعٍ في فرقٍ، وفرقٍ في جمعٍ: جمَع بينها في الخلق والتَّكوين وشمول المشيئة لها، وفرّق بينها بالأمر والنّهي والحبِّ والبغض، فشهدها وهي منقسمةٌ إلى مأمورٍ ومحظورٍ، ومحبوبٍ ومكروهٍ، كما فرّق خالقُها بينها. ويشهد الفرقَ بينها أيضًا قدرًا، فإنَّه كما فرَّق بينها أمرُه، فرّق بينها قدرُه، فقدَّر المحبوبَ محبوبًا، والمسخوطَ مسخوطًا، والخيرَ على ما هو عليه، والشَّرَّ على ما هو عليه. فافترقت في قدره، كما افترقت في شرعه. فجمعها مشيئتُه وقدرُه، وفرّقت بينها مشيئتُه وقدرُه. فشاء سبحانه كلًّا منها أن يكون على ما هو عليه ذاتًا وقدرًا وصفةً وأن يكون (١) محبوبًا أو مسخوطًا، وأشهدَها أهلَ البصائر من خلقه كما هي عليه.

فهؤلاء أصحُّ النّاس شهودًا، بخلاف من شهد المخلوقَ قديمًا، والوجودَ


(١) ش، د: «أن يكون» دون الواو قبلها.

<<  <  ج: ص:  >  >>